تعالي يا ساحرتي الصغيرة، اقتربي أكثر، دعيني أمسح هذه الدمعة، إنتظري قليلًا وانصتي إلى نكاني السخيفة، علها تكون سبب ابتسامة ترتسم على وجهك، ما هذا الشحوب، وأين ذهبت الابتسامة، هل ضايقك أحد، هل أنا السبب، أخبريني فإن كان أنا حكمت على نفسي بالموت؛ فأنا أقسمت ألا أترك شخصًا يزعجك على قيد الحياة.
لم الصمت يا غاليتي.. لَم أشهدك بهذا الهدوء من قبل، أين صراخك الصاخب، أين نظراتك الشريرة التي تهدد قلبي بالسجن والتعذيب، أين كل البريق والأبهة التي كانت تحيط بك، أين ذلك الموكب الملكي الذي كان يرافقك فيمنعني من الإختلاء بك ولو لدقيقة أعبر فيها عما بقلبي تجاهك، أو أختلس النظر إلى عينيك الساحرتين، أروي بهما صحراء الهجر، أو أن أفضي لكِ بمكنون نفسي الحائرة، المعلقة بين الفرح وخيبة الأمل.
الكل قد تخلى عنك.. ابتعدوا جميعًا، أخذ كل منهم ما يريد ثم تركوك وحيدة، أخبريني هل جئت تبحثين عني، هل عرفت الآن قدرك عندي وعندهم، هل عرفت الفرق بيننا، من منهم وعدك بالبقاء جوارك إلى الأبد، فأنا في هذا المكان أنتظرك منذ مدة، لم يعرف اليأس طريقه إلى قلبي، وبمرور الأيام كُنتُ أعلم أنك آتية لا محالة.
عزيزتي.. لا أريد أن يأتي هذا اليوم الذي أتخيل تفاصيله، فأنا لا أحب رؤيتك تعاني، فتعالي الآن نبدأ ملحمة هوى جديدة، ونعزف أجمل مقطوعة عشق عرفها تاريخ الغرام، وكفاك خوفًا من الغد، فمعًا نتغلب على مُر الأيام وقسوة الزمان وتقلباته.
تعالي اليوم، تعالي الآن، تعالي قبل أن أذهب للأبد، قبل أن أعود إلى باطن الأرض كما خرجت منها، فعندها سيكون الانتظار إلى يوم البعث، ولتعلمي يا حبيبة قلبي، أني وكما اليهود سأجمع شتات السنين؛ حتى أعود إلى قلبك، فهو موطني الأول، ومقبرتي الأبدية، لا يطيب لي سواه، لكني لن أدخله كما دخلوا القدس، لن أدوس قلبك، أو أُسيل الدماء على أعتابه، بل أترقب المعجزة في زمن اللامُعجزات، وإيماني بالفكرة هو ما يبقي لحياتي مغزى.