الفنادق والبواخر العائمة.. قليل من الزبائن كثير من المديونيات
خلف المكتب الدائرى يجلس موظف الاستقبال فى أحد فنادق مدينة الأقصر، يمد بصره لجهاز تليفزيون مفتوح أمامه على فيلم عربى، قبل أن ينقله فى اتجاه مدخل الفندق، لا جديد، فالوضع باقٍ على ما هو عليه، الزبائن ممتنعون والسياحة مرفوعة مؤقتاً من الخدمة، هذا هو الحال فى فنادق الأقصر. إبراهيم أحمد المدير المقيم لفندق «سونستا» بالأقصر، يقول إن مدينة الأقصر بها ما يقرب من 10 فنادق عالمية من فئة الخمس نجوم، يشترك فى إدارتها أجانب، بالإضافة إلى ما يقرب من 30 فندقاً ما بين ثلاثة وأربعة نجوم، مشيراً إلى أن نسبة الإشغال فى الفندق الذى يعمل به كانت تصل قبل ثورة يناير إلى 80%، وأحياناً 100% فى الموسم الشتوى، فى حين كانت تبلغ فى موسم الصيف 50%، غير أنه بعد الثورة مباشرة انخفضت نسبة الإشغال لتصبح أقل من 2%، أى أن الفندق الذى يحتوى على 400 غرفة لا يسكن منه سوى 9 غرف فقط رغم قيام إدارة الفندق بتخفيض الأسعار، وهو ما يحقّق خسارة رهيبة، خصوصاً فى ظل تكاليف التشغيل التى تبلغ مليون جنيه شهرياً تدفعها إدارة الفندق كرواتب للموظفين والعمال وفواتير مياه وكهرباء وصيانة، الأمر الذى يدفع «إبراهيم» إلى التساؤل: «هل أصحاب الفنادق هيقدروا يستمروا على الوضع ده وإلا لأ؟».[SecondImage]
ورغم الضائقة التى يمر بها الفندق فإن مديره يؤكد أنهم لم يقوموا بتخفيض العمالة، لكنه فى نفس الوقت لا يستبعد أن يتم ذلك فى الأيام القادمة، خصوصاً مع استمرار حالة الكساد التى يمر بها الجميع، وامتناع الدولة عن المساعدة بأن تؤجل مطالبتها بتسديد الفواتير الشهرية للكهرباء والمياه، «يعنى أنا ما أقدرش أدفع نص مليون جينه مرتبات كل شهر وفوقيهم 150 ألف فواتير كهربا وميه، يحصل إيه لو الحكومة أجلت فواتيرها شوية لغاية الوضع ما يتصلح؟». يتابع إبراهيم قائلاً: «الحكومة استفادت كتير قوى من السياحة، كنا عارفين إن السياحة بتدخل 15 مليار فى السنة لمصر، وإن شاء الله فى المستقبل هتستفيد أكتر، بس كمان لازم تساعد الناس فى محنتها». من ناحية أخرى يصف صلاح هاشم مدير عام العلاقات العامة بفندق «ونتر بالاس»، الوضع فى الأقصر بـ«المأساوى»، قائلاً: «كل سكان الأقصر تأثروا من غياب السياحة، فيه اللى اتأثر بشكل مباشر زى العاملين فى المجال من أصحاب فنادق وعمال، ومرشدين، وفيه اللى تأثر بشكل غير مباشر زى بياعين الخضار وسواقين التاكسيات»، والسبب فى ذلك أن «الأقصر ما فيهاش مصدر دخل تانى غير السياحة، ولو ما فيش سياحة البلد كلها هتبقى واقفة». يتحدث «صلاح» عن فندق «ونتر بالاس» التاريخى الذى يعمل به، فيقول إن أسعاره ثابتة بعكس المبانى الحديثة الملحقة به، والتى تم تخفيض أسعارها لجذب زبائن، وهى الخطوة التى لم تسفر عن شىء، فلا يوجد فى «الونتر» القديم سوى غرفتين فقط مشغولتين من 100 غرفة هى إجمالى الغرف فى الفندق، ونفس الشىء فى المبنى الحديث الذى لا يُشغل فيه سوى غرفتين فقط من جملة 136 غرفة. يقول «صلاح» إن فندق «الونتر» لم يشهد وضعاً كهذا من قبل، حتى فى أيام حادث إطلاق النار على معبد الدير البحرى عام 1997، لم تتوقف السياحة إلا لستة أشهر فقط، عادت بعدها أكثر مما كانت فى السابق.
فندق «الونتر» الذى تشترك فى إدارته «آكور» الفرنسية مع «إيجوث» المصرية يتكبد خسائر فادحة، يقول «هاشم»: «بقالنا 6 شهور ما حققناش فلوس، وطلبنا من وزير السياحة إنه يتدخل فيعفينا من مديونيات فواتير الكهرباء والمياه والضرائب، ولسه مش عارفين هيعملوا معانا إيه». أما فندق «الجولى فيل» المملوك لحسين سالم والمقام على جزيرة كبيرة داخل النيل، فلم يكن يحوى سوى 15 زبوناً، رغم أن طاقة الفندق 440 غرفة. ويقول اللواء رأفت الحجيرى مدير أمن الفندق ومدير العلاقات العامة به: إن الإدارة اضطرت إلى ضغط نفقاتها بصورة كبيرة، فوقفت الأعمال الإنشائية التى كانت تتم قبل الثورة، وخفضت رحلات الأتوبيسات التى كانت تخرج كل يوم من الفندق للمدينة حاملة السائحين، وذلك لمواجهة الكساد الذى ضرب الفندق الضخم بعد ثورة 25 يناير.[FirstQuote]
لا يختلف الوضع كثيراً فى الفنادق العائمة، إذ تتراص فى صفوف كثيرة داخل النيل على كورنيش الأقصر دون أن يبدو عليها أنها تحركت منذ فترة طويلة، وداخل المراكب الخالية نفسها يجلس العمال ليلعبوا الدومينو قتلاً للملل، أما البواخر التى تعمل بالفعل فتعد على أصابع اليد الواحدة كما يقول أحمد حلمى نائب مدير أحد المراكب النيلية. تعمل المراكب عادة على خط الأقصر - أسوان فى رحلة تستغرق 4 أيام، ويبدأ الموسم الفعلى لأصحاب المراكب من سبتمبر حتى مايو، وهو الموسم الذى يقول عنه «حلمى» إنه «انضرب» منذ ثلاث سنوات، بعد ثورة يناير مباشرة، إذ كان المركب الذى يعمل عليه لا يتوقف على الإطلاق طوال الموسم، أما الآن فلا يزال يعمل، ولكن بعدد قليل جداً من الزبائن، بعد تخفيض الأسعار الذى جاء له بنوعية سائحين غير الذين اعتاد عليهم، فهم كما يقول حجم إنفاقهم قليل جداً عكس ما كان يحدث فى الماضى.
«نسبة الإشغال حالياً عندى ما تعديش 40%، المركب اللى بيستوعب 130 زبون، فيه دلوقت 60 راكب بس» يتحدث «حلمى» عن الوضع فى مدينة الأقصر، الذى يتسبب فى خسارة كبيرة للعاملين فى مجال السياحة، يضرب مثلاً بالمركب، قائلاً: إن مصاريفه فى الشهر كبيرة للغاية، حيث يستهلك وقوداً فى الرحلة الواحدة من الأقصر إلى أسوان والعودة بما يعادل 17 ألف جنيه، هذا بالطبع غير مرتبات العاملين وتكلفة الطعام والشراب، وصيانة المركب، ونفقات العبور وفتح القناطر، وكان من الممكن أن تتضاعف المشكلة لو ظل أصحاب المراكب يدفعون أجرة الرسو التى كانت تبلغ 350 جنيهاً يومياً، فى ظل عدم تحرك المراكب من أماكنها، لولا قرار أحد وزراء السياحة فى عهد «مرسى» بإعفاء المراكب من الأجرة تضامناً معهم فى الكساد السياحى الذى يمرون به، إذ إن ذلك كان كما يصفه «حلمى»: «موت وخراب ديار»، ورغم ذلك يعتبر «حلمى» مركبه محظوظاً، إذ إنه وثلاثة مراكب أخرى فقط قادرة على العمل فى ظل الظروف الصعبة من جملة 320 تتوقف تماماً الآن عن العمل.[ThirdImage]
وبخبرة من يعمل فى السياحة منذ أكثر من 25 عاماً يحلل النوبى عبدالوهاب صاحب شركة سياحة، الوضع فى الأقصر، فيقول إن مشكلة السياحة فى المدينة سابقة على الثورة بسنوات عديدة، يرجعها إلى ما أطلق عليه «فشل تنشيط السياحة فى مصر»، فيتساءل «ليه عمرنا ما اهتمينا إننا نستغل الكرنفالات أو العيد السنوى فى أى دولة أجنبية عشان نسوّق لنفسنا، أو نحط مطبوعات فى المتاحف العالمية اللى بتعرض آثار مصرية»، يعرض «النوبى» أفكاراً كثيرة قد تسهم فى التسويق السياحى، ويقول إنه نفذ بعضها بالفعل بالاشتراك مع صديق له عندما سافرا إلى بريطانيا بعد الثورة وقاما بتنظيم «يوم فى حب مصر» بعرض صور لآثار ومتاحف مصرية على البريطانيين. يتذكر «النوبى» ما يعتبره «أفضل موسم سياحى شهدته الأقصر» ويقول إنه كان فى عامى 89 و92، وحتى عام 97 الذى شهد حادث إطلاق النار على معبد حتشبسوت، فلم يحدث به كساد سوى لستة أشهر، عادت بعدها السياحة فى الأقصر لطبيعتها الأولى. الآن الوضع فى الأقصر يلخصه النوبى فى عبارة واحدة «ما فيش شغل ولا فيه فلوس»، وما زاد الأزمة أن البنوك لا تتوقف عن مطالباتها لأصحاب الشركات والمشروعات السياحية بما عليهم من مديونيات زادت فى السنوات الأخيرة جراء الكساد الذى يعانونه.
أخبار متعلقة
«الوطن» ترصد مأساة «عاصمة العالم القديم»: معابد مهجورة.. فنادق خاوية.. وأحوال ناس «تصعب ع الكافر»
سائقو الحناطير: «لما نلاقى ناكل.. نبقى نأكَّل الخيول»
«هولندية» تنقذ الخيول من الموت بـ«قليل من الطعام»
السوق السياحى.. «فين أيام البيع والشرا»
فى المعابد.. مرشدون بلا سياحة
المراكبية: «بناكل ونشرب بس اللى جاى مش مكفى اللى رايح»
المقاهى والمطاعم «مفتوحة على الفاضى»