أبوبكر حفنى: يجب ألا يرتبط اسم كبير عائلتنا بـ«أحداث مؤسفة»
اسمه خالد فى التاريخ، تارة يتهمونه بالاستبداد، ومرات يصفونه بالسياسى المحنك، يقترن اسمه بانطلاق شرارة ثورة 19، ويلصقون به محاولة وأد ثورة يناير، «محمد محمود» صاحب وزارة القبضة الحديدية، كما يلقبونه، اقترن فى أذهان ثوار يناير باستبداد الداخلية فى المواجهات، مقر الجامعة الأمريكية الحالى بالتحرير كان منزله سابقا، فيما شهد المكان ذاته قبل عامين حمل جثث ومصابى شهداء موقعة تعزز صمود المتظاهرين، غير أن هناك وجها آخر للرجل يرويه حفيده «أبوبكر حفنى»، سفير مصر السابق بالرباط، لـ«الوطن». «أبوبكر» يعد امتدادا لعنقود العائلة «محمد محمود هو شقيق جدى.. لكنه كبير عائلتنا»، يبدأ الرجل الخمسينى كلامه بنبرة حزينة بسبب اقتراح البعض تغيير اسم الشارع بسبب ارتباطه بأحداث مؤسفة، معتبرا أن «محمد محمود باشا» المولود فى عام 1878 بمدينة ساحل سليم بأسيوط، اسم له باع سياسى ووطنى طويل «لا يجب حصره فى بعض المواقف المسيسة تاريخيا»، فيشير الرجل إلى أن «جده» صاحب فكرة تأليف وفد فى سبتمبر 1918، للمطالبة بحق مصر فى تقرير مصيرها، برفقة «سعد زغلول وحمد الباسل وإسماعيل صدقى»، ونفيهم إلى جزيرة «مالطا»، فأدى ذلك لإشعال جذوة الثورة. وإنه كان ضمن الوفد المفاوض فى باريس. عكف على مكتبه داخل ذلك القصر الفخيم وأمسك بقلمه مرسلا كلماته إلى الملك فؤاد الأول، ملك مصر: «أتشرف بأن أعرض على سدتكم العليا أسماء حضرات الوزراء الذين قبلوا معاونتى فى هذه المهمة.. محتفظا لنفسى بمنصب وزارة الداخلية»، كانت تلك هى اللحظات الأولى من صباح 26 يونيو 1928، وقت تولى محمد محمود باشا رئاسة الحكومة التى عُرفت باسم القبضة الحديدية والتى توعد رئيسها «بالضرب بيد من حديد على كل عابث بالأمن، عامل على اضطراب النظام».. يعلق «حفنى» على الواقعة بأن لفظ «القبضة الحديدية» تم إطلاقه من قبل الكاتب الكبير «عباس العقاد» بسبب تعطيل «محمد محمود باشا» لدستور 23، قبل أن يستدرك «حفنى»: «كانت نيته أن تهدأ الأمور فى البلاد.. لكنه كان يعى الحقوق الدستورية وأقام حزبا لبنته الأولى تحمل عبق الحرية باسم الأحرار الدستوريين».[FirstQuote]
أسوار القصر المنيف كانت شاهدة على الثورة بدءاً من احتجاج الطلبة على محمد محمود، وزير الداخلية فى عشرينات القرن الماضى، وصولا إلى احتجاج المتظاهرين على اعتداءات ضباط «لاظوغلى» فى العام الحادى عشر من الألفية الجديدة، مرورا بهؤلاء الأشخاص الملثمين المدججين بالأسلحة ذات الشعاع الأخضر «ليزر» والذين اتخذوا من سطحها سبيلا لقنص الثوار.
أكثر ما يحزن سفير مصر السابق هو نسيان محاسن «جده» كتلك الوثيقة التى تضمن حقوق مصر فى مياه النيل، حين تبادل «محمد محمود باشا» خطابات مع المندوب السامى البريطانى فى مصر فى عام 1929 وتمكن من الحصول على وثيقة موقعة بـ«عدم وجوب إقامة أى مشاريع للرى أو الكهرباء أو إنشاء سدود وبحيرات إلا بإذن مصر» ويضيف الرجل «الدبلوماسى» أنه لا يستطيع الإدلاء برأيه فى الأحداث التى اندلعت قبل عامين فى شارع محمد محمود إلا بعد خروج لجان لتقصى الحقائق تعرض ماهية الأمور وأسرارها، لكنه يتمكن كمواطن من استشعار اضطراب قبل الأحداث «الموضوع ضبابى أنا كموظف حكومى خادم للشعب لا أتخيل أن تقتل الشرطة مواطنيها دون سبب.. وفى نفس الوقت عدد القتلى يحير»، فيما يشير بنبرة ضاحكة إلى وجود أبنائه فى معظم الأحداث الثورية، خاتما حديثه مع «الوطن» بقوله: «إحنا متربيين فى عائلة ديمقراطية وأولادى بيخالفونى الرأى فى أحداث كتيرة وده حقهم».