أسوأ ما أنتجته نكسة 25 يناير هى تلك الشلة التى تكسبت منها وتاجرت بها، وفرضت نفسها على المشهدين السياسى والإعلامى وأحاطوا أنفسهم بقدسية ضد النقد بينما تدفع مصر كلها ثمن هفواتهم وغرورهم وصفقات بعضهم سواء مع الأمريكان أو الإخوان.. وجاءت ثورة 30 يونيو لتنتفض ضد كل هذه الممارسات، ولم يجرؤ أحد من هذه «الشلة» على الظهور فى ميادين الثورة سواء بالتحرير أو الاتحادية واكتفوا بعبارات مطاطية على «تويتر» و«الفيس بوك»، فإذا ما نجحت الثورة حاولوا ركوبها كما فعلوا فى يناير.. وكنت أعتقد أن الدولة استوعبت ذلك وأن دورها بعد ثورة يونيو هو إتاحة الفرصة للكفاءات المصرية لتولى المناصب وفقاً لقدراتهم وليس لشروط أخرى مثل أن يكون من النشطاء السياسيين أو مراهقى الثورات.
كان البعض يعتقد أن إدماج مدّعى الثورة فى الدولة المصرية كفيل باستقرارها وتقدمها، لكن الأيام أثبتت أن معظمهم يمثل «شوكة» فى ظهر الدولة، كما أن هؤلاء يتعاملون مع بعضهم البعض بنظام الشلة، فإذا حُبس أحمد ماهر هاجت الدنيا، أما إذا تم حبس آخرين فالفعاليات أقل، كما أنهم يدافعون عن بعضهم دون أى اعتبار لدولة أو مستقبل أو شعب، فلم يعد يهمهم أن يكون الشعب العريق موافقاً أو رافضاً لأفعالهم، لكن الأغرب هى تلك النخبة السياسية والإعلامية التى ترفض انتقادهم وتعوم مع أخطائهم وهفواتهم فى نفاق رخيص ومتدنٍّ، فمثلاً خلال أحداث محمد محمود قرر «العيال» التظاهر ضد الداخلية فى الوقت الذى تدفع فيه الشرطة من دم أبنائها يومياً الكثير لحماية البلاد والثورة، وبدلاً من أن يخاطبهم الكبار نظرياً، لإثنائهم عن هذا الأمر، قرروا المشاركة معهم.. وكانت مظاهرات القوى الثورية عبارة عن «غطاء سياسى» لعنف وإرهاب الإخوان فى المحافظات والجامعات.. ونفس الأمر تكرر فى أحداث مجلس الشورى، حيث قرر «العيال» اغتيال القانون والدولة والتظاهر دون أذى فى تحدٍّ واضح للقانون، وهذا نهجهم ونزواتهم، لكن المفاجأة أن أصدقاءهم فى لجنة «الخمسين» قرروا تجميد عضويتهم مع أنهم كان الأولى بهم إقناع زملائهم من «العيال» بخطورة ما يفعلونه على الدولة، واستمرارها فى هذه المرحلة الحرجة، لكن الأغرب أن العيال أهانوهم وطردوهم عندما ذهبوا إليهم لنفاقهم والتودد إليهم.
من الطبيعى أن يذهب «عيال» مثل شباب الثورة بلجنة الخمسين لزملائهم «العيال» حتى لو لم يقتنعوا بما يفعلونه، لكن أن يذهب الكبار مثل المرتعش محمد أبوالغار الذى كان ينسحب دائماً فى اجتماعات المجلس العسكرى لكنه كان مصمماً على خوض الانتخابات البرلمانية فى عهد الإخوان وانسحبت معه نائبته فى الحزب هدى الصدة.. ولا أعرف كيف يمثَّل اثنان من حزب واحد بينما يغيب حزب مثل «المصريين الأحرار» عن التمثيل! هذا بالإضافة إلى الأخ خالد يوسف الذى مارس دوراً علنياً لإسقاط الشرطة فى الوقت الذى كان يتودد فيه لقيادات الشرطة سرياً لدعم شقيقه الضابط الذى نجح فى نقلة لقطاع مهم فى الوزارة، أما ضياء رشوان نقيب الصحفيين فقد نسى أنه يعبر عن جمعية عمومية وليس عن أصدقائه من «العيال».. أما عمرو موسى فيثبت كل يوم أنه ليس رجل دولة بل رجل يلعب على كل الحبال، من النظام السابق للإخوان للثوار.
الأغرب أن ممثل «تمرد» حينما ذهب لزملائه «العيال» أمام النيابة ضربوه وأهانوه فخرجت حركة تمرد تطالب بإقالة وزير الداخلية!
ما يحدث الآن نتاج طبيعى لسوء اختيارات الجيش وصمته وتمنّعه، فقد ترك تشكيل لجنة الخمسين لمستشار الرئيس المدعو مصطفى حجازى، الذى أتى بشلة يناير فى اللجنة وفشل الجيش حتى فى تمرير مواده، رغم شعبيته الكبيرة فى الشارع، كما أن «حجازى» نفسه هو من اختار أعضاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، من ذات الشلة أيضاً، أما الحكومة المرتعشة فقد اختار أعضاءها المقبور البرادعى والمُسن الببلاوى، بينما الجيش صامت، وبالتالى سيدفع الجيش الثمن ومن ورائه الشعب المصرى، وما حدث أمام الشورى نتاج طبيعى لاختيارات فاشلة، وتأكيد أن النخبة المصرية تفتقد «الرجولة» وأنهم قضوا على مصطلح «رجال الدولة» بينما صدّروا للشعب مصطلحاً جديداً فى الممارسة هو «عيال الدولة»!