ثورة «زراعية وصناعية وطبية» تبدأ من «مفاعل أنشاص»
مجمع مفاعل مصر البحثى الثانى فى أنشاص
بدأت مصر اتخاذ خطوات نحو الدخول إلى السوق العالمية للنظائر المشعة التى تستخدم فى التشخيص والعلاج، ومشروع إنتاج النظائر المشعة بأنشاص، أحد مشروعات خطة هيئة الطاقة الذرية للاستفادة من إمكانيات مفاعل مصر البحثى الثانى فى الاحتياجات الأولية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، لتمكين الدولة من استخدامها فى مختلف المجالات الزراعية والصناعية والطبية وغيرها. ويعد نظير «التكنسيوم 990»، الناتج من مولد «الموليبديوم 990»، والذى يستخدم فى مجال التشخيص، الأعلى استخداماً فى مجال الطب النووى بنسبة 85%.
«الوطن» تجولت داخل مجمع مفاعل مصر البحثى الثانى بأنشاص، والتقت بعدد من الأساتذة والمتخصصين من العاملين داخلها لتتعرف منهم على مراحل إنتاج النظائر المشعة وأهمية استخداماتها فى المجالات الطبية بالإضافة إلى زيارة مركز المعامل الحارة التابع لهيئة الطاقة الذرية للتعرف على طريقة التخلص من النفايات المشعة سواء مخلفات المستشفيات أو المصانع أو حتى مخلفات مفاعل الضبعة فى المستقبل.
قال الدكتور ياسر توفيق، مدير مصنع النظائر المشعة، إن المصنع تم العمل به فى 2013، وهو أحد أهم المنشآت الثلاث لمجمع مفاعل مصر البحثى الثانى لتنظيم إنتاج النظائر، لافتاً إلى أنه تم البدء فى العمل بالمصنع بعد الحصول على التراخيص اللازمة سواء من وزارة الصحة أو هيئة الرقابة النووية والإشعاعية وبدأ من 2015 التوريد الأسبوعى للسوق المحلية سواء الحكومية أو للقطاع الخاص والمنشآت الجامعية.
وأشار «توفيق» إلى أن المصنع مقسم إلى عدة أقسام، منها الخدمات والحكومة وتحت الإشعاع، والمصنع يبيع 7 أنواع من النظائر المشعة، كلها للاستخدام الطبى، ما عدا واحد منها للاستخدام الصناعى، مؤكداً أن الإنتاج التجريبى للمصنع بدأ فى 2013 من خلال خطة للإنتاج التجريبى للنظائر المشعة وتم استخدام هذا الإنتاج من خلال بعض أقسام الهيئة فى أغراض بحثية وإرسال بعض العينات إلى عدة دول، كما تم اختبارها فى معامل عالمية بنجاح وجرى التسلم النهائى للمشروع من الشركة الأرجنتينية فى مارس 2015. وأكد «توفيق» أن النظائر المشعة تلعب دوراً مهماً فى مجال الطب النووى التشخيصى والعلاجى، حيث يستخدم نظير «التكنيسيوم 99م»، الناتج من مولد «الموليبديوم» فى مجال الطب النووى بنسبة 85%، ويصل الإنتاج الأسبوعى للمصنع من هذا النظير إلى 30 مولداً ويغطى نحو 67 مركزاً طبياً بـ20 محافظة، وتلعب مولدات «التكنسيوم 99» دوراً مهماً فى المجال الطبى لأنها تستخدم فى علاج وتشخيص الأورام السرطانية وأمراض الكبد والبنكرياس.
«توفيق»: «اليود 121» يعالج تضخم الغدة الدرقية وبعض أنواع الأورام السرطانية والبروستاتا والرحم
وأوضح أن «اليود 121» هو النظير الملائم، ويستخدم لعلاج تضخم الغدة الدرقية وبعض أنواع الأورام السرطانية التى تصيب هذه الغدة، ويبلغ نصف العمر لهذا النظير المشع 8 أيام ويُختزَن فى الجسم البشرى فى خلايا الغدة الدرقية، مشيراً إلى نجاح المصنع فى تلبية احتياجات السوق المحلية من هذا النظير الإشعاعى بنسبة 100%. وداخل مصنع إنتاج النظائر المشعة أمام الخلية الحمراء التى يحدث بها تداول للمواد المشعة هناك 4 خلايا لإنتاج المواد وتستحوذ على 80% من تطبيقات التشخيص بالطب النووى، وهناك خلية تخزين الغازات الناتجة أثناء عملية الإنتاج، وخليتان لعمليات التنقية وأخرى للتجهيز النهائى للموليدينوم، وخلية 125 للتطوير المستقبلى، وخليتا «الإيريديوم 192»، وواحدة للتطبيقات الصناعية. وقال الدكتور مصطفى عاطف، رئيس مجموعة إنتاج «الموليدينوم 99»، إن له أهمية كبرى فى الطب النووى ويستخدم فى 90% من التشخيص، ويبدأ الفصل فى المفاعل داخل الخلية الثانية ثم تبدأ بعد ذلك عملية الفصل عن اليورانيوم بالفلترة، وبعدها يتم الفصل بين الموليبديوم واليود، وينزل كل منتج بمفرده، ليتم بعدها عمليات النقاوة. وأكد الدكتور ثروت مطيع، مدير إنتاج «اليود 131 و125»، أن «اليود 125» يُستخدم منتجه النهائى فى عمل التحاليل الطبية، ومؤخراً بدأ استخدامه لعلاج البروستاتا وأورام الرحم، لافتاً إلى أن إنتاج «اليود 131» بعد عمليات التنقية وبعض الإضافات، يستخدم لعلاج الغدة الدرقية وبعض البحوث الطبية.
من جهته، قال الدكتور محمد صلاح، الباحث فى إنتاج الريديوم، أن هناك نوعين من المنتج، الأول يستخدم فى الصناعة بشركات البترول، والثانى «واير» ويستخدم فى الطب، لافتاً إلى أنه يتم تشعيعه بالمفاعل بعد فترة معينة وإرسالة إلى المستشفيات لاستخدامه. وقال الدكتور أحمد بدر إبراهيم، مدير رقابة الجودة بمصنع إنتاج النظائر، إن هناك رقابة على المنتجات سواء فى المعامل الرئيسية أو قياس العينات بأجهزة القياس الخاصة بها، أشار إلى أن المنتجات مقسمة إلى أربع خلايا، وكل خلية عبارة عن خط إنتاج للعنصر الذى يتم إنتاجه عن طريق التشعيع فى المفاعل، من خلال دراسة النقاوة الكيميائية. وأكد «بدر» أن مدة إنتاج عنصر «بيتا» 24 ساعة واليودى 12 ساعة، أما بالنسبة للتكنسيوم فعلى حسب العدد، لافتاً إلى أن الاختبارات تطبق عليها دساتير الأدوية العالمية، وهناك الدستور الأوروبى والدستور الأمريكى ونحن نطبق دستور الأدوية الأمريكى.
وانتقلت «الوطن» لزيارة مركز المعامل الحارة التابع لهيئة الطاقة الذرية للتعرف على طريقة التخلص من النفايات المشعة. وقال الدكتور عصام صالح زكريا، رئيس المركز، إن النفايات النووية تأتى من كل الأماكن بمصر ويتم التخلص منها إما حرقاً بالمحرقة الخاصة بالمركز، أو من خلال الضغط بحيث يتم تقليص حجم المواد المشعة للثلث، وبعد ذلك يتم تخزينها بطريقة آمنة 100%. وأشار رئيس المركز إلى أنه يتم التخلص من 90% من تلك النفايات التى ترد للهيئة بشكل آمن، ويبقى منها الرماد الذى يصل إلى نحو 10% على الأكثر، ويتم حفظه أيضاً بطريقة آمنة ثم يتم دفنه فى مدافن خاصة لا يتم فتحها أبداً، لافتاً إلى أن النفايات ذات الإشعاع العالى تحفظ داخل «براميل أو مكعبات» خرسانية ويتم دفنها بمدافن دائمة فى أعماق معينة، وفى تكوينات جيولوجية مستقرة يتم اختيارها بعناية.
وأوضح رئيس المركز أن الفريق المسئول عن التخلص من النفايات على أعلى مستوى فى العالم، وحاصل على دورات عالمية، وأغلبهم خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، لافتاً إلى أن النفايات ذات الإشعاع المتوسط والمنخفض تنقسم إلى نوعين، سائلة وصلبة، فالنفايات الصلبة يتم تحديد مركز التجميع والفرز من حيث قابليتها للاحتراق فى «المحرقة» أو لتقليص الحجم عن طريق ضغطها فى جهاز خاص بذلك لتسهيل المعالجة والتخلص منها، والنفايات الصلبة التى تشمل عناصر مشعة ذات عمر نصفى قصير يكون التخلص منها «بالحرق أو الضغط أو الدفن» وتعتبر الطريقة الأكثر شيوعاً بالنسبة للنفايات التى يصعب تحويلها إلى نفايات عادية بالدفن بمدافن مغلقة قريبة من سطح الأرض بإحدى النقاط المركزية التابعة للمركز.
وأشار رئيس المركز إلى أنه بالنسبة للنفايات المشعة السائلة فهناك معمل آخر للتخلص منها عن طريق تبخيرها وتكثيفها وتجميعها فى أوعية خاصة ويتم عمل قياس دورى لمستوى الإشعاع وعند وصوله لمستوى المسموح به يتم التخلص الآمن منها طبقاً للمعايير الدولية وهو ما يسمى «المعالجة بالاضمحلال» إذا كانت تحتوى على نُويات عناصر ذات عمر نصفى طويل فذلك يستدعى معالجتها قبل التخلص منها، والمعالجة الكيميائية هى الأكثر شيوعاً.
وعن الأمان عند التخلص من النفايات النووية، أكد العاملون أنهم يقدرون مدى التخوف الذى يصيب أى شخص خصوصاً عند دخوله للمرة الأولى إلى تلك المعامل، فما يتعرض له أى إنسان عادى عند مروره على أجهزة «الإكس راى» المنتشرة أضعاف ما يتعرض له العاملون بمركز المعامل الحارة عند التخلص من النفايات.
محرر «الوطن» داخل المفاعل البحثى