«خونة، وعملاء، وطابور خامس، وقابضين من قطر، وتابعين للأمريكان، ولهم أجندات»، تهم جاهزة دائماً وصالحة لكل الأزمنة، طالما أن العقول بهذا الرخص، والتفكير بهذه الدرجة من السفه، والمزايدة هى العملة الرائجة، والإعلام هو المشجع والمحرض، والنخب هى التى تتعامل بهذا الأسلوب، فكيف تلوم على كلاب السكك إذا نبحوا عند مرورهم بمن يختلف معهم مصادفة؟؟ وكيف تغضب من ناس تتعمد فى اختلافها معك أن تهينك، وتشخصن الموضوع بدلاً من محاورتك، ومجادلتك بالتى هى أحسن؟ وكيف لا تشفق على شخص يتولى التفتيش اليومى على نيتك وضميرك، معتقداً أنه الفلتة وجهبذ عصره وأوانه الذى كشف أمرك أيها المختلف، وأنه الوحيد الذى يفهم، ويعلم ببواطن الأمور، ليظل يبغبغ بكلام كلما تكرر تضحك أنت عليه بينما تصدقه مجموعة من ضعاف العقول، وقاطعى طرق الحرية، والجهلاء حقاً وصدقاً؟؟
هذا البلد انعدم فيه الخيال سواء من نخبته أو من عابرى السبيل الذين يقابلونك مصادفة، فيصدرون أحكامهم، أو يقرأونك بمنتهى التحفز، أو يعلقون على ما تقول بمنتهى التطرف، لا لشىء إلا لأنك اختلفت؟. وكيف ذلك وهم يكرهون الاختلاف.
هل تريد أن تفهمنى أن هؤلاء الذين صنفوا الناس فى قلب الثورة إلى ثوار وأجندات وشباب شريف مغرر به، يختلفون عن هؤلاء الذين صنفوا المختلفين معهم على أنهم فلول أو تحريات عسكرية فيما بعد؟ وهل اختلف رد الفعل على من يقولون «يسقط يسقط حكم العسكر» عن رد الفعل على الذين هتفوا «يسقط يسقط حكم المرشد»؟
هل تريد أن تقول لى إن الخرفان فصيل واحد فى مصر؟؟ وإنهم رحلوا بعد 30 يونيو؟؟ طب بذمتك ودينك ألا يوجد خرفان الآن؟؟
هذا الشعب يكذب الكذبة ثم يصدقها. يهاجم الثورة، ثم ينزل ليحتفل بنجاحها. تدافع عن الجيش باستماتة، ثم تهتف «يسقط يسقط حكم العسكر»، ثم تهاجم «السيسى» بوصفه «إخوان»، ثم تدافع عنه بوصفه البطل، ثم ترفض كل من يقول «يسقط يسقط حكم العسكر»، وكما لبس الفلول كل المصائب، يلبس الإخوان باقى المصائب، أما الناس اللى فى النص، الناس الذين ملوا الفريقين وقذارة لعبهم، فيدهسهم الجميع فقط لأنهم مختلفون.
كيف تطلب المثالية وأنت لست كذلك، ثم كيف تسول لك نفسك أصلاً أن تهاجم هؤلاء الذين يسعون إليها، وتتهمهم بالخيانة لمجرد أنهم يظنون أن اليوتوبيا يمكن أن تتحقق إذا آمن بها الجميع، ثم كيف وصلنا لدرجة أن نشوه كل المختلفين معنا الآن حتى لو كانوا منا يوماً ما بحجة أننا فى حرب، ومن المسئول عن ترك الحبل على الغارب لكل هذا العبث الذى سينقلب مع مرور الوقت على من يتبعونه كما انقلب على آخرين من قبل؟؟
كيف تحول «البرادعى» من فخر لمصر إلى خائن وعميل، ثم إلى ضمير الثورة، ثم إلى جبهة الإنقاذ التى تحارب «مرسى»، ثم إلى خائن وعميل مرة أخرى؟ وكيف ينقلب الأمر من حمدين صباحى عند البعض من درجة أن يكون أملاً لهم فى البعد عن خيارات «أبوالفتوح» و«شفيق» و«الإخوان»، إلى رجل يشتمه الجميع لمجرد أنه تجرأ وأعلن نزوله الانتخابات مطالباً «السيسى» بضمانات ثورية تنحاز للثورة الحقيقية التى لولاها لما كانت ثورات أخرى؟؟
كيف جرأتم على الاختلاف يا أولاد كذا وكذا، أصبح هو لسان حال الجميع، والكل يدعو لشىء ثم يفعل نقيضه، والمصلحة هى التى تحكم، وليس المبدأ، والجهل هو الذى يحارب لينتصر ويسود؟؟
كيف شوه الجميعُ الجميعَ حتى لم يبقَ فى بلدى شىء غير قابل للتشويه، حتى لو كان نبياً مبعوثاً من رب العالمين سيصنفه الكل فى بلد لا يقبل التوبة، ولا يقبل الاختلاف، ولا يريد أهله أن يتحدوا إلا لو حدثت مصيبة.
هذا البلد محفوظ ببركة دعوات أمهات وآباء ملوا السياسة، وانقطعوا للعمل، أو للدعاء لهذا البلد، وليس بسلوك شعبه، ولا نخبته، ولا قياداته، ولا كُتابه ولا هؤلاء الذين يمرون ليبصقوا عليك على اعتبار أن هذا هو أكبر إنجازاتهم، حتى لو كان ما تفعله من أجلهم.. ألا لعنة الله عليهم.