لست مع الفرحين بإعلان البيت الأبيض، مؤيداً من الخارجية الأمريكية، بقرب صدور قرار باعتبار جماعة الإخوان المسلمين كياناً إرهابياً، وبالطبع لن تكون لدى مشاعر عكسية إذا ما لم تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الإخوان جماعة إرهابية!
أنوه بأننى لا أستمسك بهذا الموقف من باب خالف تعرف، ولكن لدى من المبررات الكثيرة ما يجعلنى أعدد أسباب مطالبتى للنخبة على الأقل بألا تخطئ قراءة القرارات الأمريكية، حتى ولو كان من بينها قرار باعتبار جماعة الإخوان المسلمين كياناً إرهابياً.
غنى عن البيان أن المؤسسات المؤثرة فى صنع القرار فى الولايات المتحدة الأمريكية (السياسية كالبيت الأبيض، والخارجية الأمنية كوكالة المخابرات المركزية «C.I.A»، أو المباحث الفيدرالية «F.B.I»، أو وزارة الدفاع «البنتاجون») هذه المؤسسات لا تلتزم جميعها بموقف موحد خلال قيام كل منها بتنفيذ مسئولياتها ومهامها المحددة وفق منظومة هذه الدولة العظمى، بمعنى أوضح، فلا أظن أن إعلان إدارة «ترامب» عن قرب صدور قرار باعتبار الإخوان جماعة إرهابية لا يعنى بالتبعية مباركة المؤسسات الأمنية الأمريكية للقرار، فهذه المؤسسات، ووفق مهامها، متوغلة فى علاقات مشبوهة ومشينة ومكروهة مع كافة التيارات والكيانات والعصابات السياسية والإجرامية فى جميع أنحاء العالم، ومن ثم لا أظن أبداً أن هذه المؤسسات يمكن أن تدع الإخوان المسلمين للعزلة والانحسار ومواجهة تبعات قرار اعتبارها جماعة إرهابية!
غنى عن البيان أيضاً أن اللبنة الأولى للتنظيم الدولى للإخوان المسلمين تم وضعها برعاية أمريكية فى العام 1953 وبدعم من بعض القوى العربية التى كانت تستشعر خطراً على وجودها من تداعيات حركة جمال عبدالناصر والضباط الأحرار فيما عُرف بعد ذلك بثورة يوليو 1952، حينها تم استقبال سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، فى البيت الأبيض، واستقبله الرئيس الأمريكى أيزنهاور حينها، وتم تأسيس ذلك التنظيم الذى باتت له فروع كثيرة فى مختلف دول العالم، وما زال حتى اليوم!
الحادث أيضاً أن التطورات السياسية التى شهدتها المنطقة العربية، خاصة مصر، خلال النصف الثانى من القرن الماضى لم تكن المخابرات الأمريكية وجماعة الإخوان بعيدة عنها، والأحداث كثيرة والوقائع موثقة، ولكن المكان لا يتسع لسردها جميعاً.
التعاون بين الإخوان المسلمين والمخابرات الأمريكية كان لافتاً خلال أحداث الخامس والعشرين من يناير عام 2011، هذا التعاون كان مستمراً قبيل أحداث يناير بسنوات باعتراف ريتشارد دونى، السفير الأمريكى بالقاهرة خلال السنوات الأخيرة لحكم «مبارك»، وفى أعقاب سقوط نظام «مبارك» كان مشهداً مكرراً زيارة السفيرة الأمريكية آن باترسون لمكتب الإرشاد واللقاء مع المرشد، وخلال العام الذى وصل فيه الإخوان لحكم مصر، دخلت العلاقة مع المخابرات الأمريكية مرحلة جديدة، تعددت أوجه التعاون خلالها، وربما كانت الأمور الخفية منها أكبر بكثير من الأمور المعلنة.
فبالأساس كان وصول الإخوان للسلطة فى مصر وموافقتهم على التبعية لنظام «أردوغان» جزءاً من مخطط إعادة تكوين موازين القوى السياسية فى المنطقة لصالح إسرائيل، فيما عرف بمشروع الشرق الأوسط الكبير!
فى العام 2012 جاء إلى القاهرة عناصر من المخابرات الأمريكية والتقوا المرشد ونائبه خيرت الشاطر، طلبوا وساطة الإخوان لدى تنظيم القاعدة عبر السفير رفاعة الطهطاوى، رئيس ديوان الرئاسة فى عهد مرسى، وهو ابن خالة أيمن الظواهرى، لتأمين انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان فى بدايات العام 2014 تنفيذاً لوعد «أوباما» فى حملته الانتخابية للولاية الرئاسية الثانية، فى مقابل هذه الوساطة تلتزم المخابرات الأمريكية وبتعاون مع المخابرات التركية والقطرية بدعم تأسيس ما أطلقوا عليه الجيش المصرى الحر بآلاف من المرتزقة على الأراضى الليبية!
الخلاصة أن تبشير إدارة «ترامب» بقرب صدور قرار باعتبار الإخوان كياناً إرهابياً، أو عدم صدور قرار بذلك، يجب ألا ينسينا أن الإخوان المسلمين خرجوا من التركيبة السياسية بقرار الشعب المصرى الذى خرج بعشرات الملايين يوم الثلاثين من يونيو 2013، يومها دعّم جيش مصر الشعب رغماً عن كل الأطراف، السافرة والخفية، الداعمة والمؤيدة والمساندة للإخوان على حد سواء!