ورشة مساحتها لا تتعدى «متر فى متر» بمنطقة الدرب الأحمر، تكفى بالكاد جسد محمد فاروق النحيل، ومقعداً خشبياً وعدداً من الأحذية، ليجلس على مقربة من الأرض، منهمكاً فى تصنيع حذاء، مستعيناً بـ«كُلة» تنتشر رائحتها فى المكان الضيق.
ينعزل «فاروق» عن العالم الخارجى طوال مدة تصنيعه للأحذية، كأنه ماكينة لا تتوقف عن العمل رغم ضعفها وحالتها المتردية بفعل عوامل الزمن، وبجانبه عدد كبير من الأحذية المتراصة بعناية، بحثاً عن زبائن، ورغم الضوضاء المنتشرة بالمنطقة الشعبية، التى تحتضن الورشة، لا يلتفت لها، ولا يسمع سوى إذاعة القرآن الكريم، الصادرة من راديو قديم، بمثابة رفيقه الوحيد فى الورشة.
«عمرى كله ضاع فى صناعة الجزم»، يقولها الرجل الخمسينى، الذى أصبح جزءاً من المكان، ويشبهه فى كل شىء، حتى فى ملابسه المتسخة، كحال الحائط المجاور له، حيث يعمل فى صناعة الأحذية منذ 40 عاماً، بعد أن تعلم أصول المهنة من أعمامه: «من وأنا عندى 10 سنين بشتغل زى المكنة، حافظ بعمل إيه وبنتج إيه فى اليوم». يبدأ «فاروق» العمل فى العاشرة صباحاً، ويظل باب الورشة مفتوحاً أمام الزبائن حتى الحادية عشرة مساءً، ويصنع يومياً ما بين 40 و50 زوج حذاء، حدد سعر الواحد بـ24 جنيهاً للجملة: «التجار بياخدوا منى، ويبيعوا قطاعى الواحد بـ35 أو 45 جنيه، وكله بيسترزق». تزوج «فاروق» ولم يُرزق بأبناء، ويرى أن الصنايعى المصرى قادر على إنتاج أفضل المنتجات، لكن مشكلته الوحيدة تكمن فى الإمكانيات القليلة: «بنشتغل بإيدينا وبأقل التكاليف، بجيب الاسكاى وبصمم هيكل الجزمة، وبقص وبعدين بتتفصل عند مكنجى، وأنا أكمل الجزمة».
مهنة يقل حبها فى قلبه كلما مر الزمن، فلم يطور من ورشته، إنما حالها يسوء: «معظم عمرى ضاع كصنايعى عند الناس، زمان كانت المهنة حلوة وفيه شغل، دلوقتى كل حاجة غليت، والزبون مش مقتنع وبيحب المستورد، أنا للأسف نفسى أبطل الشغلانة دى، لكن ماعرفش غيرها».
تعليقات الفيسبوك