يتناول «عماد» طعام الإفطار فى الصباح الباكر، ثم يغادر المنزل، متجهاً إلى «السبيل»، الذى أنشأه والده لأخيه الشهيد خلال حرب 1967 فى أسفل العمارة، يفتحه وينظفه، جيداً، خاصة أن والده أسسه من الرخام الأبيض دائم الاتساخ.
«الشهيد الملازم هانى عبدالمنعم حسنين، استُشهد فى 13 يونيو 1967»، كلمات سُطرت على واجهة «السبيل»، الذى يحتل مساحة ضخمة فى مدينة بنها بالقليوبية، ولم يغلق أبوابه على مدار 53 عاماً.
«بعد استشهاد أخى فى حرب 1967، شعر أبى بحسرة شديدة، وأخبره قائد الكتيبة بأن الشهيد قبل وفاته بساعات كان يشعر بالعطش، وتعذّر ذلك، لأنهم كانوا فى الجبل، ثم حلم أبى بالشهيد يخبره بأنه يرغب فى شرب المياه، فقرر إنشاء السبيل»، حسب عماد عبدالمنعم، الشقيق الأصغر للشهيد، بينما يحاول إخفاء دموعه.
يحتفظ «عماد» فى منزل العائلة بالمتعلقات الشخصية لأخيه «هانى»، وهى ساعة وبطاقة شخصية، سلمها لهم قائد الكتيبة: «بعد تخرّجه فى كلية تجارة، أرسل إلى وزارة الدفاع رغبته بالتطوع للدفاع عن البلد، وبالفعل تم تجنيده فى سلاح المدفعية كضابط برتبة ملازم على مدفعية الهاون، واستُدعى قبل الحرب بـ5 أيام، وكان سعيداً جداً، ودع أبى وأمى، وأخبرهما أنه سيُستشهد».
بعد وفاة «هانى»، لم يستطع الأب الإقامة فى منزله الصغير، الذى يُذكره بابنه، فقرر بناء «عمارة»، على أن يتم تخصيص دور كامل منها كـ«سبيل»: «قبل سفره نصحنى بعدم اللعب فى الشارع، وأن أهتم بمستقبلى ومذاكرتى، والتحق بكلية كبيرة، وبعد انتهاء الحرب، انتظرنا رجوعه فى كل القطارات، وسألنا عليه فى المستشفيات، وفى الآخر عرفنا أنه أصيب بشظية، وظل ينزف حتى الموت، ودُفن بالحسينية».
كُرم «هانى» بنجمة سيناء من الرئيس أنور السادات، وأطلق اسمه على شارع فى بنها، وهو ما لم يكن كافياً لعائلته، حسب «عماد»: «أنشئ السبيل فى نفس سنة وفاته، وأنظفه كل يوم وأدعو لأخى، وهو أقل شىء نقدمه لشهدائنا وأهلنا».
تعليقات الفيسبوك