"نوبة نور": حلم بدأ بإحياء المناسبات.. فأصبح وسيلة لحفظ التراث النوبى
أعضاء بفرقة «نوبة نور»
فى بلاد النوبة يبدو تاريخ مصر العريق، الممتد عبر آلاف السنين، حياً نابضاً، فى كل تفصيلة من تفاصيل حياة سكانها، وقد اختارت فرقة «نوبة نور» الحفاظ على هذا التاريخ ونقله إلى أبناء المحافظات الأخرى فى شكل أغانٍ ورقصات، باعتبار الفنون، خاصة الشعبى منها، سلاحاً يضاهى فى تأثيره «المدافع والدبابات»، بينما يفوقها فى الانتشار.
«اخترنا الاسم الذى يعبر عن هدفنا، نوبة نور، وهى كلمة نوبية تعنى أضواء النوبة، بهدف تسليط الضوء على اللغة والتراث النوبى، ونشره بين الجماهير، للحفاظ عليه من الضياع»، هكذا تحدث أسامة البكرى، مدير الفرقة، التى تأسست عام 1960، على يد الفنان النوبى الشهير «سيد جمال».
"البكرى": هدفنا نشر ثقافتنا بين أبنائنا المقيمين فى القاهرة والتواصل مع بقية أبناء الشعب
يتهدج صوت «البكرى» قليلاً عند ذكر اسم عمه الراحل، حزناً على فراقه وتقديراً لدوره المحورى فى ربط أهل النوبة ببقية محافظات المحروسة من خلال الفرقة، ويقول «فى البداية كان هدف عمى بسيطاً، هو إحياء الأفراح للنوبيين المقيمين فى القاهرة بالغناء والرقص النوبى، خاصة أنه يمثل أحد الأركان الأساسية فى الاحتفالات عندنا فى النوبة، ثم تطور الأمر تدريجياً، إلى برنامج عبر الإذاعة المصرية باسم وحى الجنوب فى منتصف السبعينات، وفيه قدم أشهر الأغانى والألحان النوبية، وحقق شهرة كبيرة بين الجمهور، ثم توقفت الفرقة تماماً فى عام 1979».
"أسامة": "أراجيد" أشهر الرقصات التى تحظى بالإقبال من الجمهور
مع بداية التسعينات قرر «أسامة» إعادة تأسيس الفرقة من جديد مع هدف أساسى هو منع ضياع اللغة والتقاليد النوبية، خاصة بين الأجيال الشابة النوبية التى تعيش فى القاهرة ولا تعرف شيئاً عن تراثها، قائلاً بنوع من الفخر: «الموسيقى والغناء مكون رئيسى فى الثقافة النوبية، فهى طقس لا غنى عنه فى أى مناسبة اجتماعية نمر بها سواء الزواج، أو ولادة طفل جديد، حتى الوفاة، لذا اعتبرنا الفرقة مثل القناة التى تعيد إنتاج ونقل هذا التراث لبقية المجتمع المصرى، فتسهم فى حفظ اللغة النوبية من الضياع، وفى نفس الوقت نعرف بقية الناس بوجودنا ونتفاعل معهم ويتفاعلون معنا».
تتكون الفرقة من 10 أفراد، وتقسم الأدوار بينهم فى العزف على العود والدفوف إلى جانب أداء الحركات الراقصة خلال الأغانى، أما اللغات المستخدمة فى تلك الأغانى فهى الفاديجية والكنزية وكلتاهما لغة منطوقة وليست مكتوبة: «أنا من منطقة فى النوبة اسمها أدندان، وخلال نشأتى وجدت أن هناك الكثير من اللغات التى بدأت تنقرض إما بسبب عدم استخدامها بعد وفاة المتحدثين بها، أو بسبب ولادة أجيال جديدة، لم تتوافر لها القدرة على تعلم تلك اللغات، لذا اخترنا تلك اللغتين بسبب أهميتهما القصوى فى حفظ التراث النوبى».
من أشهر الرقصات التى تقدمها الفرقة هى «أراجيد» وهى -بحسب «أسامة»- أكثر الرقصات التى تحظى بالإقبال من الجمهور، وفى نفس الوقت هى أهم الرقصات التى تعبر عن تاريخ النوبة، لأن حركاتها الراقصة تمثل نهر النيل فى حركات أمواجه: «يصل عدد المناطق والقرى النوبية إلى 30 قرية بحسب معرفتى، وكلها مطلة على النيل، لذا يمثل النيل عنصراً أساسياً فى حياتهم، وهو ما يظهر خلال رقصة أراجيد، ونحن نرفض استخدام أى أدوات موسيقية غربية، فقط نعتمد على الدفوف لأنها أساس التراث النوبى».
التهجير يعد الموضوع الرئيسى لأغانى الفرقة بجانب مواسم الزراعة، جنى البلح، والحصاد بحسب «أسامة»، الذى يصف شعوره تجاه أداء تلك الأغنيات: «عندما أقف على المسرح لأؤدى تلك الأغنيات مع بقية الفرقة، لا أفكر فقط فى أننى عضو فى الفرقة، بل أتذكر بلادى فى مواسم الزراعة والحصاد، تتسلل إلىّ رائحة النسيم بينما أرى الرجال وهم ينطلقون فى الغناء خلال العمل».
يرى «أسامة» أنه بعد بلوغه الـ55 عاماً، قد حقق جزءاً كبيراً من حلم عمه، بحفظ التراث النوبى من الضياع من خلال الحفلات التى أقاموها ليس فقط داخل مصر بل خارجها: «شاركنا فى العديد من المهرجانات، وسافرنا إلى كثير من دول العالم كان آخرها ويلز فى إنجلترا، وروما فى إيطاليا، وأهم شىء بالنسبة لى هو إنتاج ألبوم للفرقة بعنوان (دامنيشن) مع أحد الفرق الأوروبية، مما يعنى حفظ تاريخ منطقتنا من الضياع إلى الأبد».