للفنادق قواعد يتحتم عليك كنزيل احترامها والالتزام بها، وإقامتك الطويلة فى غرفة عادية أو جناح فاخر مهما طالت لن تمنحك صكاً بالملكية، حتى لو ابتسم لك صاحب الفندق كل صباح!.. أقول هذا وفى ذهنى الحالة التى يعيشها أعضاء وأنصار جماعة الإخوان فى الدوحة بعد الاتفاق الذى توصل إليه وزراء خارجية دول الخليج يوم الخميس الماضى لحل الأزمة مع قطر.. بشكل عام لم يكن مفاجئاً أن حكماء الخليج وضعوا قواعدهم الخاصة لطى هذه الصفحة.. مؤكَّد أن روابط الدم والتاريخ والجغرافيا لعبت دورها، ناهيك عن المصالح المشتركة فى منطقة يعى أهلها حجم المطامع والمخاطر التى يتعرضون لها.. ربما المفاجئ فى الأمر هو توقيته.. كان الجميع يعرف أن المسألة ستنتهى فى النهاية إلى مصالحة، لكن إتمامها بهذه السرعة كان بعيداً عن التوقعات.. قد يمثل ذلك أحد الأسباب التى ملأت بطون الإخوان فى فنادق الدوحة ببطيخ صيفى، جعلهم يظنون أن اختلاف النهج القطرى عن محيطه الخليجى دائمٌ إلى الأبد!.. فى كثير من المناقشات عبر مواقع التواصل الاجتماعى مع بعض الأصدقاء والزملاء من ساكنى تلك الفنادق، كنت أحاول التنبيه إلى أن مقدرة حكام قطر فى الجمع بين ما لا يُجمع يثير القلق لا الإعجاب، ويدفع إلى الريبة لا الثقة.. إسرائيل و«حماس» وإيران وأمريكا و«طالبان» والسودان والإخوان المصريون والتوانسة والليبيون ومتمردو دارفور فى قائمة طعام واحدة فى المطعم القطرى!.. كنت أقول للإعلاميين منهم: استعدوا.. سيأتيكم يوم تبدأون فيه نشرتكم بخبر لقاء أمير قطر مع الرئيس المصرى (حيث بحث الزعيمان العلاقات الثنائية بين البلدين واتفقا على بذل كل الجهود اللازمة لتعزيز الروابط الأخوية بين الشعبين الشقيقين!).. كانت تلك الكلمات تقابَل بالسخرية، ومع ذلك كنت ولا أزال ألتمس العذر لمن يرفض التفكير فى اليوم التالى!
معلومٌ أن شمس هذا اليوم بالنسبة للعلاقات بين القاهرة والدوحة لم تشرق حتى الآن.. بل لعلها ستتأخر أكثر مما يجب، لكنها فى النهاية ستنشر أشعتها كحال العلاقات القطرية مع السعودية والإمارات والبحرين.. فى هذا الصدد تنقل صحيفة «العرب»، الصادرة أمس فى لندن، عن مصادر دبلوماسية سعودية أن قطر ستلتزم، حسب تأكيد أميرها، بطرد الإخوان من الدوحة ووقف دعمهم فى الخارج، وكذلك إيقاف عجلة التحريض على العنف الصادرة من وسائل إعلامية قطرية تعمل لصالح جماعة الإخوان، فيما أشارت المصادر إلى أن الخليجيين سينتظرون فترة شهرين لتقييم التعاون القطرى معهم فى المجالات المختلفة، قبل عودة سفراء الرياض وأبوظبى والمنامة إلى الدوحة!
بالطبع لا يروق ذلك لساكنى فنادق الدوحة الذين أربكهم الحدث فبدأوا يضربون أخماساً فى أسداس.. اعتبر بعضهم أن نتائج اجتماع الرياض هى رضوخ لإرادة قطر ووسيلة لحفظ ماء وجه السعودية والإمارات!.. يستنشق هؤلاء هواءً ممزوجاً بالوهم والإنكار.. يجتهدون فى التمترس خلف ابتسامات حسبوها ستصمد أمام لغة المصالح.. لا يلتفتون حتى إلى المصادفة بين هذا الاجتماع وآخر فى اليوم نفسه ضم وزراء خارجية روسيا وأوكرانيا وأمريكا والاتحاد الأوربى فى جنيف؛ حيث تم التوصل إلى اتفاق لتهدئة الأزمة الأوكرانية، بعد سلسلة تهديدات متبادَلة بين واشنطن وموسكو.. لا يعرفون أن السياسة تخلو من مصطلحى «عدو دائم وصديق دائم».. أحسب أن معظم هؤلاء يراهنون اليوم على عدم وفاء قطر بتعهداتها كما فعلت فى مرة سابقة.. باعتبار أن ذلك يمثل الوسيلة المثلى للبقاء فى فنادق الدوحة والاسترخاء حول حمامات السباحة عقب التهام طبق معتبر من أكلة الكبسة الشهيرة!.. حمل الإخوان من مصر إلى قطر رؤيةً ضيقةً لا تصلح إلا لاستعراض الحناجر على شاشة «الجزيرة» والترويج لانتصارات صغيرة على «تويتر» و«فيس بوك».. فاتَهم أن ذلك قد لا يطرب أصحاب البلد فى لحظة معينة يتعارض فيها مع المصالح القطرية فى المعادلة السياسية الجديدة.. وحينها يتحول كل ما يصدر عن تلك الحناجر إلى نشازٍ غير مرغوب فيه.. ليصبح من الطبيعى أن تختفى ابتسامات أصحاب الفنادق لتحل بدلاً منها انتقادات تجاه أى خطأ ولو بسيطاً يرتكبه النزلاء!
لا أملك يقيناً أن باستطاعة الإخوان المصريين فى قطر قراءة الواقع الخليجى الجديد بصورة صحيحة، ومن ثم لا أنتظر منهم إلا مواصلة نهج الإنكار والاستكبار ذاته الذى يتمسك به إخوانهم فى مصر.. ليتنى أكون مخطئاً!