بحسابات الورقة والقلم والتأييد الشعبى، يبدو عبدالفتاح السيسى، المشير المتقاعد، أفضل الخيارات أمام الناخب المصرى بعد انحصار المنافسة على منصب الرئيس بينه وبين حمدين صباحى. ولم تكن مفاجأة أن ندرك اليوم أننا شعب يفتقد الكوادر القيادية، بصورة تجعل التصويت اضطرارياً. وليس هذا وقت مناقشة ذلك النقص الفادح، لأن مشكلتنا الحقيقية ستبدأ عقب إعلان فوز «المشير» بالمنصب.
من خلال رصد تحركات «المشير»، منذ إعلان استقالته، يمكن القول إن الرجل مقيد الحركة، لا يستطيع الإعلان مسبقاً عن جدول تحركاته أو مقابلاته، لأنه باختصار المستهدف الأول من جانب الجماعات الإرهابية. ونحن نعلم بالضرورة أن «المشير» لن يتحرك فى جولات انتخابية فى أنحاء مصر، ولن نشهد له مؤتمرات علنية فى أماكن مفتوحة، بحجة أنه لا يحتاج إلى تلك المؤتمرات أو الجولات. ولن نحصل منه طوال الفترة المقبلة إلا على بيانات صحفية تصدرها حملته عن مقابلاته وتصريحاته وآرائه. وفى الزيارات المفاجئة التى لا نعلم عنها إلا بعد حدوثها، ندرك جميعاً أنها تجرى تحت تشديدات أمنية حديدية ضرورية لحماية الرئيس المحتمل المستهدف.
ماذا سيحدث إذن بعد إعلان «السيسى» رئيساً؟ هل سيزول التهديد عن الرئيس، أم يزيد؟ الأكيد أن التهديد سيظل قائماً، وحسب التقارير التى تسربها مصادر أمنية، فإن تلك التهديدات تقف وراءها مخابرات دول أجنبية ويمولها التنظيم الدولى للإخوان. تلك التهديدات ستكون مبرراً لبناء سور عالٍ من الأسلاك الشائكة بيننا وبين الرئيس. لن يكون بمقدوره التحرك بحرية، رغم محبة الشعب له، سنراه على شاشة التليفزيون الحكومى وسوف تتصدر صور مقابلاته مانشيتات «الأخبار» و«الأهرام» و«الجمهورية»، وسنقرأ بين حين وآخر عن إلقاء القبض على خلية كانت تخطط لاستهدافه.
كنا نعرف أن «مبارك» يمر فى شارع ما عندما تجبرنا جحافل قوات الأمن على الانتظار داخل السيارات أو الميكروباصات أو الأوتوبيسات، حتى يمر موكبه. كان رئيساً يحتمى فى جيش من رجال الشرطة. ولم نمنح الفرصة لمواكب «مرسى» الذى كان يحتمى فى جيش الإرهابيين، والآن سيكون لدينا رئيس لن نراه رأى العين إلا فيما ندر، وربما حتى لا نرى مواكبه فالمواكب يسهل استهدافها.. فهل سيقبل «السيسى» وضعاً غريباً وعجيباً كهذا؟
بعد ثورتين أطاحتا برئيس رجال الأعمال ثم رئيس تنظيم إرهابى، كان المصريون يحلمون برئيس يعيش معهم ليلمس احتياجاتهم ومعاناتهم ويمشى فى شوارعهم المتربة ويتجول فى عشوائياتهم ويقف فى طوابير خبزهم ووقودهم، ويزور قراهم الفقيرة ومناطقهم المنسية، وينتقل سريعاً إلى مكان الكارثة حين تقع.. والآن صاروا مجبرين على اختيار رئيس لدواعٍ أمنية، وهو نفسه الرئيس الذى سيكون معزولاً عنهم لدواعٍ أمنية.