«زويد ورفح».. أهلاً بكم فى مدن «الأشباح»
تحولت مدينتا الشيخ زويد ورفح المصرية إلى مدينتى أشباح بعد ثورة 30 يونيو، وازدادت الأوضاع سوءا فيهما، بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة، حيث أغلقت بعض المحال التجارية أبوابها، وهجر بعض السكان المنطقة، خاصة الأقباط الذين جرى استهدافهم من قبل الإرهابيين، وتحولت المدينتان إلى أماكن خربة معزولة عن العالم بقطع الاتصالات صباحاً وبحظر التجول ليلاً.
ويقول إبراهيم أبوغريب، أحد سكان مدينة الشيخ زويد «الناس هنا يعانون من انقطاع الاتصال والحظر والتشديدات الأمنية، فضلاً عن حالات الوفاة التى فشل الأهالى فى معالجة أصحابها، نظرا لانقطاع الاتصالات وعدم القدرة على الوصول إلى العريش بسبب التشديدات الأمنية. قيادات الدولة تتحدث عن إقامة احتفالات ذكرى تحرير سيناء فى العريش فقط أو مدن أخرى لكن الشيخ زويد لا يوجد بها احتفالات أو أى مظاهر للفرحة، ونعيش كل يوم بالحصار والحظر بدءاً من الرابعة عصراً وحتى السادسة صباحاً من اليوم التالى، ونحتفل أيضاً بغلق الطرق والميادين الرئيسية بعد أن مر على غلقها 9 شهور كاملة، وكذلك غلق أكثر من 400 محل تجارى بخلاف الورش الصناعية والحياة أصبحت صعبة جداً».
يصف «أبوغريب» الأوضاع اليومية لسكان المدينة بـ«المأساوية» ويقول «أطفالنا اعتادت على سماع أصوات الرصاص المتطاير طوال الوقت، حيث يتم استهداف المشايخ والأطفال والموظفين، ومن يصب منهم لا يجد علاجاً مناسباً فى مستشفى الشيخ زويد، هى إسعافات أولية فقط، كما أن سيارات الإسعاف لا تستطيع الدخول إلى المدينة لنقل المرضى بسبب حظر التجول، وهو ما أدى إلى وقوع حالات وفاة عديدة، كما لا نستطيع الذهاب إلى محيط قسم الشيخ زويد بعد العصر أو ميدان الكوثر، بسبب التشديدات الأمنية، لا يحلم الأهالى هنا بإقامة مصنع أو أى مشاريع استثمارية مثل بئر العبد أو العريش، لكن يحلمون برفع الحصار وتحقيق الأمن والشعور بالوطنية وأنهم مواطنون من الدرجة الأولى وليس العاشرة، يجب رفع الاتهامات التى يتم تعميمها على جميع السكان وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، كل ما يبتغيه الأهالى هنا تمليك الأراضى التى يسكنون عليها منذ عشرات السنين ومنحهم حق دخول الكليات الحربية والشرطية».
فى أحد شوارع الشيخ زويد يقف محمد عايد وسط محله ضارباً كفاً على كف، بسبب وقف الحال الذى تعيشه المدينة، ويقول الرجل فى أسى «منذ شهر رمضان الماضى هاجر كل العمال الوافدين من الدلتا إلى بلادهم، بعد تفاقم الأوضاع هنا، كان عندى اتنين صنايعية واتنين عمال والأربعة رجعوا بلادهم خوفاً على أرواحهم، وكل ما أجيب حد يشتغل يومين ويخاف من ضرب النار ويقوم مروّح تانى».
ويضيف إبراهيم بغضب «زى ما انت شايف أنفقت أكثر من 10 آلاف جنيه لتجهيز الورشة منذ عام، لكن بقينا قاعدين من غير شغل ومع ذلك بأدفع إيجار للورشة كل شهر»، ليس هذا فحسب لكن السائقين فى القاهرة يرفضون نقل البضائع إلى الشيخ زويد ورفح خوفاً من انعدام الأمن على الطريق، وتأخرهم على معدية القنطرة.
ويقول رجل أربعينى آخر، رفض ذكر اسمه، خوفاً من استهـدافه: يوم الأربعاء الماضى، ذهب زوج لزوجته الموظفة بمصلحة الضرائب ليعودا معاً إلى البيت فى السيارة الخاصة به، وتوقف خلف عمارة الضرائب، وفجأة تم استهداف سيارة الزوج من الخلف عن طريق كمين قوات الأمن وسكنت إحدى الرصاصات فى رأس الزوجة وكتفها، ومن رحمة ربنا عليها أنها لم تتوف، ومن المعروف أن الوقت الذى ضُربت فيه لم يكن ضمن ساعات الحظر، مثل هذه الحوادث تحدث باستمرار لكن لا يعلم الناس عنها شيئاً لأن كل ما يذاع عن المنطقة خاص بالعمليات العسكرية فقط».[FirstQuote]
فى رفح، لم تختلف الأوضاع كثيراً عن الشيخ زويد. خلت الميادين الرئيسية من الأهالى والباعة والسيارات وبات الانتقال إليها أمراً صعباً بسبب الكمائن الأمنية والخوف من الوقوع فى أيدى الإرهابيين الذين ينصبون كمائن للمتعاونين مع الجيش فى الطرق النائية والبعيدة عن القوات، قبل عام 2008 كان المواطن يشعر بالأمان وترابط المجتمع والاحترام المتبادل حتى تم اقتحام الحدود المصرية ودخل إلى سيناء حوالى 750 ألف نسمة لمدة 21 يوماً، ومنذ تلك اللحظة بدأت الأنفاق فى العمل، بسبب تراخى السلطة انتشرت الأنفاق بشكل مريب جداً واتجه شباب المنطقة للعمل بها، وكونوا ثروات هائلة فى وقت قياسى، حسب وصف الناشطة السيناوية التى تعيش فى رفح منى برهوم. تضيف «برهوم» قائلة: «مع مرور الوقت تدهورت البنية التحتية بالمدينة، حيث توقفت أعمال الرصف والصرف الصحى والكهرباء والمياه من قبل الجهاز التنفيذى للدولة بسبب أعمال العنف والتدمير التى تنفذها الجماعات المسلحة التى حولت حياتنا إلى جحيم، لكن قوات الأمن تعاقبنا بشكل جماعى وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، حال إطلاق الرصاص منها رغم عدم ملكيتها للجهاديين، وأزالت مئات الأفدنة المزروعة أثناء تنفيذ العمليات دون تعويض أصحابها، لسنا ضد الأمن القومى فالمواطن على الحدود جزء لا يتجزأ من الأمن القومى والمنزل أيضاً على الحدود قنبلة موقوتة فى وجه العدو، ويجب أن تعيد الدولة الاتصالات إلى رفح، وتوفر فرص عمل للشباب الذى كان يعمل فى تجارة الأنفاق وأصبحوا الآن دون عمل بعد هدم الأنفاق، ولا يوجد لهم مصدر رزق يقتاتون منه، والحل الأمنى ليس هو الحل الوحيد، فسيناء أصيبت بأمراض كثيرة مزمنة ومتراكمة ولا نعلم متى ستتعافى منها، فالمستقبل غامض ومخيف بعد انتشار الفقر والبطالة وتطبيق العزلة والإقصاء».
أخبار متعلقة
«الوطن» تخترق مناطق الإرهاب فى سيناء
إذا مشيت فى الشـوارع بعد الرابعة عصراً.. فقد تتعرض لـ«رصاصة قاتلة»
الطريق إلى العريش.. مأساة الانتظار الطويل أمام «المعدية»
ناشطون سياسيون: الحملات الأمنية «العنيفة» تؤدى لتعاطف الأهالى مع التكفيريين
مسعفون على خط النار.. حصار دائم بين رصاص قوات الأمن والإرهابيين
تجار الأنفاق والمهربون: نعيش على «تحويشة العمر»
كمين أمن بالعريش.. حياة «الحذر والترقب» من وراء المدرعات