كنت واحداً من المصريين الذين ذهبوا للإدلاء بصوتهم فى الانتخابات الرئاسية تحت تأثير فرحة التجربة الأولى، وبالطبع كنا جميعاً نحمل مشاعر متضاربة ومتناقضة، للمرة الأولى ننتخب رئيساً، للمرة الأولى نشعر بأن لصوتنا قيمة، للمرة الأولى نشعر بأننا أعضاء فى اتحاد ملاك مصر ولسنا مجرد مُستأجرين! وفى الوقت نفسه كان ينتابنا نفس شعور المرأة العانس التى فاتها قطار الزواج وهرمت انتظاراً للعريس الذى لم يأت، وعندما أتى كان الزمن قد قسم ظهرها ونسيت أحلامها بالفارس الذى يمتطى الحصان الأبيض، ما دفعها لأن ترضى بالعريس الذى يمتطى حماراً أعرج، فهذا تماماً ما شعرنا به ونحن نقف أمام صندوق الاقتراع، فرحين بالرئيس الأول المنتخب، رغم الحمار الأعرج الذى يمتطيه، وكنا نقول لأنفسنا فيما بيننا، مصر كانت تستحق «حاجة أحسن من كدة»، وقرر البعض مقاطعة الانتخابات اعتراضاً على نظرية الحمار الأعرج، أما البعض الآخر وأنا منهم فقرر أن يُفاضل بين السيئ والأقل سوءاً، على اعتبار أن المقاطعة فى معظم الأحوال لن تكون فى صالح مصر، ورغم أننا قد ارتضينا بالأمر الواقع وقلنا لأنفسنا «بكرة ييجى حاجة أحسن من كده» إلا أن العريس لم يأت واكتفى فقط بأن يُرسل حماره الأعرج، الذى لم يتخل عن نظرية الحظيرة، وتحولت مصر إلى حظيرة كبيرة له ولأتباعه.
تلك اللحظات لا نستطيع أن نجعلها تذهب طى النسيان، إذ كان لها دور كبير فى تشكيل وعى مرحلة مهمة من تاريخنا الثورى، ورغم حالة الانقسام التى عشناها، وما زلنا، إلا أننا نشعر بقدر من الاستقرار واليقين، ولم نعد نُفاضل بين سيئ وأسوأ، أو نختار أحدهما كراهية فى الآخر، فمن سيختار حمدين صباحى لديه قناعة بذلك، ومن سيختار المشير عبدالفتاح السيسى لديه أيضاً قناعة كاملة بذلك، باستثناء بعض الأصوات التى كان حمدين يُغازلها من أجل أن تُسانده، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك عندما عزف على نفس الوتر الذى استخدموه فى هجوم غير مبرر على السيسى، وأعلن أنهم شاركوه النضال منذ عشرات السنين، ولهم الحق مثل أى مواطن مصرى فى ممارسة الحياة السياسية، ولهم أيضاً الحق فى أن يجنوا معنا ثمار نضالهم، ولم ينس حمدين أن يؤكد أن هذه الحقوق لا تقتصر على جماعة الإخوان المسلمين فقط بل للسلفيين أيضاً على طريقة «النقطة» فى الأفراح الشعبية، فهذا ليس هجوماً على حمدين صباحى ولا دفاعاً عن السيسى بقدر ما هو مراجعة، لإخفاقات فى الرؤية لا يجب أن يقع فيها سياسى ووطنى مثل حمدين صباحى.
عزيزى حمدين.. أنت تستند على نفس الحمار الأعرج، فالشعب المصرى قد تغير وأنت أكثر وأقرب من يعلمون بذلك، والسياسة أصبحت جزءاً من تكوينه الفكرى، ولن ينخدع الشعب بشعارات «رجل الثورة الأوحد»، «الثورة يجب أن تصل للحكم» التى ترددها، وكأن المرشح الآخر لم يكن له دور وطنى وثورى قام به من أجل حماية هذا الوطن، دون أن يفكر لحظة واحدة فى مصيره فى حال فشله فى السيطرة على الأوضاع، الذى من المؤكد أنه لن يكون جيداً، وأفضل السيناريوهات لن تخرج عن الاغتيال الذى تعرض لمحاولته بالفعل أو السجن مدى الحياة أو على الأقل طوال فترة حكم الإخوان، وإذا كان المتحدث الرسمى باسم حملتك يقول إننا لا نعرف أى تاريخ سياسى للمشير عبدالفتاح السيسى، فأنا أقول له «نحن يكفينا أنه بمساندة الشعب المصرى العظيم أنقذنا من جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية».
عزيزى حمدين صباحى..
أرجو ألا يُنسيك كرسى الرئاسة تاريخك الثورى والوطنى الذى نعتز به، فقد تعلمنا وتعلمت معنا فى قاموس الوطنية أن الغاية لا يُمكن أن تُبرر الوسيلة، وإذا كنت تُحب هذا الوطن فنحن نعشق تُرابه، ولسنا أقل منك وطنية.