مما لا شك فيه أن قصة صعود وهبوط ثورة 25 يناير ستسجل فى التاريخ باعتبارها تمثل تراجيديا سياسية كبرى، ليس لها مثيل من قبل فى تاريخ الثورات!
قوى ثورية شابة أتقنت لغة العصر وأصبح أفرادها من الناشطين السياسيين من أبرع الناس فى التعامل مع وسائل الإعلام الجديد، وسبق لهم قبل الثورة أن استخدموا «المدونات» السياسية باعتبارها منابر مفتوحة لأشد وأعنف ألوان النقد للنظام السابق.
بل إنها مهدت الطريق إلى ثورة 25 يناير، بتحريضها فئات الشعب المختلفة على الانقلاب على النظام وليس مجرد معارضته مما يعنى الثورة الشاملة ضده لإسقاطه.
هؤلاء الشباب من الثوار الجدد هم الذين أشعلوا ثورة 25 يناير باستخدام عبقرى لوسائل الحشد الجماهيرى عن طريق «الفيس بوك». واستطاعوا بتخطيط دقيق دفع الناس يوم 25 يناير إلى ميدان التحرير، ولعبت صفحة «كلنا خالد سعيد» دوراً رئيسياً فى الحشد.
انطلق الشباب إلى الميدان وتبعتهم الملايين من أبناء الشعب من كافة الطبقات، وارتفعت صيحات الملايين «الشعب يريد إسقاط النظام».
ونجح الشعب فعلاً فى إسقاط النظام فى فترة وجيزة لم تتعد ثمانية عشر يوماً، ليس ذلك فقط بل وإجبار الرئيس السابق على التنحى وترك السلطة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.
لم يكن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى مقدمة صفوف الثورة، ولكنهم ظهروا بعد ثلاثة أيام على الأقل من وقوعها، ولعبوا دوراً فى مواجهة قوات الأمن وفى التصدى لوقائع معركة الجمل.
وبعدما انجلى غبار معركة الثورة بكل أحداثها البطولية وصداماتها الدامية، فاجأ شباب الثوار الجميع لأنهم انصرفوا من الميدان، وتفرقوا من بعد شعياً وأحزاباً وتركوا تصريف أمور البلاد إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وبعد ذلك تعددت مظاهراتهم ومليونايتهم كرد فعل على الأحداث، ولم يتم تنظيمها وفقاً لخطة تضعها لجنة ثورية مركزية تحدد الأهداف والوسائل.
وأدى الانفجار السياسى الذى أحدثته الثورة إلى ظهور العشرات من الأحزاب السياسية الجديدة، بالإضافة إلى المئات من الائتلافات الثورية.
غير أن هذا الانفجار الحزبى والائتلافى الثورى -إن صح التعبير- لم يكن تعبيراً حقيقياً عن حركة سياسية منظمة لها صلات عضوية مع الجماهير.
على العكس تماماً من ذلك، فهذه الأحزاب الجديدة والائتلافات الثورية المتعددة افتقدت التواصل الحى الخلاق مع جماهير الشعب التى لم تحس -بشكل عام- أن هذه الائتلافات أو الأحزاب تعبر عن مصالحها الحقيقية.
وقد أدى هذا التشرذم فى الجبهة الليبرالية واليسارية الثورية إلى هيمنة جماعة الإخوان المسلمين عن طريق ذراعها السياسية ونعنى حزب «الحرية والعدالة» على مجمل الفضاء السياسى المصرى.
حصل حزب الجماعة مع السلفيين على أكثرية مجلسى الشعب والشورى، وانزوى شباب الثوار ولم يمثلوا تمثيلاً حقيقياً، كما أن الليبراليين لم يحصلوا إلا على عشرات المقاعد.
وحانت هذه الأيام لحظة الحقيقة! فالدستور الذى تضعه اللجنة التأسيسية التى ثار جدل شديد بصدد شرعيتها الدستورية كادت أن تنتهى من وضعه، والذى لو تم الاتفاق على نصه الأساسى سيعرض على الاستفتاء، والذى ستعقبه انتخابات جديدة لمجلسى الشعب والشورى.
وقد أدى الإيقاع السريع للأحداث بالقوى الليبرالية أن تستشعر الخطر من احتمال خسارتها فى الانتخابات القادمة، لذلك تنادت لكى تتوحد كل الأحزاب فى حزب واحد أطلق عليه حزب «المؤتمر المصرى».
ولعل هذه المحاولة تكون الفرصة الأخيرة للتيار الليبرالى لكى يلعب دوراً فاعلاً مشاركاً فى الديمقراطية المصرية الجديدة، وإلا فإن الهيمنة الإخوانية ستكون مطلقة على الفضاء السياسى المصرى.