فى العام 2003، كان جورج بوش الابن يستعد لتدمير العراق، وأطلق وقتها مقولته الشهيرة: «من ليس معنا فهو مع عدونا»، وعلى الرغم من الانتقادات التى وُجهت إلى واشنطن فى ذلك الوقت، فإن أمريكا نجحت بالفعل طوال 13 عاماً فى إجبار العالم على اعتناق ذلك المبدأ، وفى سبيل ذلك لم تترك بلداً فى العالم دون أن تشعل فيه فتنة أو اضطراباً أو «ثورة»، ما دام خارج طوعها، استناداً إلى مبدأ هنرى كيسنجر الشهير: «لا تحاول حل الأزمة بل عليك الإمساك بخيوطها».
من يحاول قراءة الخريطة السياسية والاجتماعية فى مصر، سيفاجأ بأن الكل هنا يؤمن بأن «الآخر» خائن. الثوار يرون أنهم تعرضوا للخيانة مرتين، الأولى فى 25 يناير والثانية فى 30 يونيو، والشعب وأنصار 30 يونيو يعتبرون ثوار 25 يناير خونة، وثوار 25 يناير يعتبرون أنصار 30 يونيو خونة، وعشرات الملايين المؤيدة للرئيس عبدالفتاح السيسى يعتبرون كل من منح صوته لغيره عدواً لمصر. هى باختصار صورة واضحة للهدف الأمريكى الأعظم.
الأمر بالتأكيد أكثر تعقيداً من تلك المفاهيم الساذجة التى نلوكها من نوعية «ثورة وثورة مضادة وفلول وكفار وإرهابيين وديمقراطية وحرية وعدالة اجتماعية». ولكى نكتشف ذلك علينا أن نضع خريطة العالم على المنضدة لنرى كيف تتحرك قطع الشطرنج وفقاً لإرادة اللاعب الأوحد:
- أمريكا تعلن الحرب على الإرهاب.. أمريكا تدعم تنظيم الإخوان الإرهابى.. أمريكا تمنح السلاح للمجموعات الإرهابية فى العراق وسوريا وأفغانستان.
- أمريكا تخاصم إيران الشيعية.. أمريكا تدعم النظام الشيعى الطائفى فى العراق.
- دول الخليج تتحالف مع الإرهابيين والإخوان ضد بشار الأسد.. دول الخليج تساند مصر ضد الإخوان.
- دول الخليج حليفة لأمريكا.. ودول الخليج حليفة لمصر.. وأمريكا ضد مصر.
- إيران مع حماس.. وحماس تساند الإخوان.. وحماس ضد أمريكا التى تساند الإخوان.
- تركيا مع دول الخليج ضد بشار.. تركيا ضد دول الخليج التى تساند مصر.
- ثوار 25 يناير يطالبون بمحاكمات ثورية عاجلة لنظام مبارك.. ثوار 25 يناير غاضبون من أحكام الإعدام الناجزة ضد جماعة الإخوان.
هذا بعض أجزاء من الصورة.. ولكى نفهم، لا بد أن نضع تلك الأجزاء متجاورة، ففى بعض الأحيان يكون القرب من الصورة «عماء».