مات والده تاركاً الأسرة بلا مأوى.. خرج الطفل الصغير للعمل فى «الفاعل» لينفق على أمه الأرملة وأشقائه اليتامى.. صعقته الكهرباء، وسقط من الطابق الـ«11».. دخل المستشفى مصاباً بنزيف فى المخ وغيبوبة وشلل رباعى.. طرده المستشفى ليواجه الموت فى البيت.. نشرت «الوطن» القصة يوم الجمعة الماضى.. قرأها «السيسى».. فاتصلت «الرئاسة»، وأمرت بعلاج الطفل.. فشكرت الأم المكلومة «الرئيس» و«الوطن».. فهل انتهت القصة؟!
لا.. لم تنته.. فالطفل «على» تجسيد لما أريد قوله لسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى..!
حسناً فعلتَ يا سيادة الرئيس، حين رَقَّ قلبُك لطفل من أبنائك.. غير أن هذا التحرك، وتلك المبادرة مقبولة ومشكورة، لأنك توليت السلطة قبل أيام قليلة، والشعب يدرك -حتماً- أنك بحاجة إلى وقت لإصلاح الأمور.. ولكنه ينتظر منك شيئاً آخر، أكثر من قرار علاج «على» فى مستشفى عسكرى.. وإلا فما مصير ملايين الأطفال الذين يشبهون «على» فى المعاناة.. والمصير؟!.. وهل بمقدور «الوطن» والصحف الأخرى أن تصل إلى قصة كل طفل وأى أسرة كى يتدخل «الرئيس» لإنقاذهم؟!.. وهل بإمكان مستشفيات القوات المسلحة علاج كل الأطفال والمرضى فى عموم مصر؟!
دعنا يا سيادة الرئيس نأخذ قصة الطفل «على» نموذجاً.. لماذا وصلت حالته إلى حتمية تدخلك شخصياً لعلاجه؟!.. كيف مات والده وهو «على باب الله» فسقطت أسرته بين براثن الفقر والجوع؟!.. المفترض -سيادة الرئيس- حينما يموت الأب، أن تجد الأسرة مظلة رعاية اجتماعية، وضمان حكومى، حتى لا «تتلطم» الأم وأبناؤها، فتضيع الأسرة بالكامل، وتفرز لـ«مصر» جيلاً من المجرمين والبلطجية.. فالموت حق.. ولكن الضياع بعد الموت ليس حقاً.. والدولة التى تترك مواطنيها دون رعاية، ليس من حقها أن تتحدث عن المستقبل.. ولا حتى عن الحاضر..!
مات والد «على».. ومثله مئات الآلاف، وتركوا وراءهم مئات الآلاف من الأمهات، مثل «أم على» وتركوا أيضاً ملايين الأطفال المشردين.. وإذا كان «على» قد خرج من ثوب طفولته، ليقف فوق «السقالة» لينفق على تعليمه وأسرته، فإن مصيره الحالى ومصير غيره من أبناء سنه، فى رقابنا جميعاً.. وإذا كان «الولد» الغلبان لم يجد من الدولة رعاية اجتماعية، فإنه لم يجد منها أيضاً تعليماً مجانياً مناسباً، لذا كان عليه أن يعمل، ويعمل، ويعمل، ليدفع «فاتورة» الدروس الخصوصية، وابتزاز المدرسة والمدرسين..!
وإذا كان قلب الدولة حجراً، فلم توفر له ولأسرته معاشاً.. ولم تعلّمه فى مدرسة مناسبة.. فإنها أيضاً لم توفر له أسباب الأمان وهو «يجرح طفولته» بالعمل المضنى.. والأكثر أنها حين «صعقته بالكهرباء»، وألقت به من الطابق الـ 11 لم تحتمله فى مستشفى متهالك، على سرير قذر، وبين طرقات الإهمال الطبى.. رضى «على وأمه» بالهم والذل فى مستشفى متواضع، فلم يَرْضَ به المستشفى، وقذف به إلى الشارع.. وكأن على الطفل المسكين أن يموت هو وأمه وأشقاؤه، لأن «الأب» مات.. وقلب وطنه «مات»..!
سيادة الرئيس.. ما فعلتَه مع «على» بادرة طيبة من رئيس إنسان.. غير أن واجبك من اليوم يتجاوز «المسكنات».. واجبك أن توفر للأرامل واليتامى مظلة رعاية اجتماعية، تحميهم من «الموت» مع «الأب».. واجبك أن توفر لـ«على» وملايين الأطفال غيره تعليماً جيداً.. واجبك أن تمنعهم من الوقوف على «سقالة الضياع».. وإذا مرضوا أو صعقهم التيار الكهربائى أن تعالجهم فى مستشفى آدمى.. فليس بإمكانك ولا بمقدورنا أن نكتب لك كل صباح مليون قصة معاناة، كى تتدخل لإنقاذ أصحابها..!
..وفى الختام.. لك حبى وتقديرى.. ولـ«على» وأمه والملايين مثلهم فروض الطاعة والحب..!