(1) الحق فى المعلومات والديمقراطية:
من خصائص الحكم الديمقراطى السليم إفصاح الحكم عن الحقائق التى تهم الشعب ومكاشفة الرأى العام بدقائق الأمور الخطيرة التى تجرى فى البلاد. بينما يقوم الحكم التسلطى على التعتيم على حقائق الأمور وحرمان الشعب من حقه فى المعرفة عن الشأن العام. وتزداد أهمية الإفصاح والمكاشفة عند مرور المجتمع بتطورات خطيرة قد تنطوى على انتهاكات جسيمة لحقوق أعداد كبيرة من بنى الوطن.
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993 يوم الثالث من مايو من كل عام يوماً عالمياً لحرية الصحافة عبر تبنيها توصية مؤتمر اليونيسكو فى جلسته السادسة والعشرين التى انعقدت عام 1991. وأصبح الثالث من مايو/آذار من كل عام يوماً للاحتفال بالمبادئ الأساسية لحرية الصحافة وتقييم أوضاعها حول العالم والدفاع عن الصحافة فى وجه الاعتداءات التى تعترض استقلاليتها وتوجيه التحية للصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء تأدية مهامهم. ثم اعتُمد «إعلان الحق فى الوصول إلى المعلومات» فى مايو 2010 بمناسبة اليوم العالمى لحرية الصحافة.
ويشير الإعلان إلى أن ضمان الحق فى المعلومات أمر حاسم لاتخاذ قرارات مستنيرة، وللمشاركة فى الحياة الديمقراطية بفاعلية، لرصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، ويمثل أداة قوية لمكافحة الفساد؛ وأن للحق فى المعلومات دوراً فعالاً فى تحقيق تمكين الشعب، وتعزيز مكانة المجتمع المدنى، وضمان المساواة بين جميع الفئات فى المجتمع، بما فى ذلك النساء.
ويرحب الإعلان بالاعتراف العالمى المتزايد بالحق فى المعلومات، والذى تردد فى البيانات والاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية، وكذلك مؤخراً عبر اعتماد قوانين الحق فى المعلومات على المستوى الوطنى. ولكن يشير الإعلان إلى أن غالبية الدول فى العالم لم تعتمد تشريعات لإنفاذ هذا الحق الأساسى؛ كما يبدى القلق من أن تبنى القوانين والتشريعات ذات الصلة وتنفيذها يواجه تحديات كبيرة، بما فى ذلك المقاومة السياسية والبيروقراطية.
ويدين الإعلان الترهيب والاعتداءات والاعتقالات والاغتيالات التى يواجهها الصحفيون ورجال الإعلام فى جميع أنحاء العالم، والتى تنتهك حقوقهم الأساسية بشكل كبير وتنتهك خاصة حق كل فرد فى الحصول على مجموعة متنوعة من المعلومات والأفكار.
ودعا الإعلان الدول الأعضاء والحكومات الوطنية لاتخاذ التشريعات والقوانين الضرورية لضمان الحق فى المعلومات باعتباره حق كل فرد فى الحصول على المعلومات التى تحتفظ بها الهيئات العامة على جميع المستويات، المحلية والوطنية والدولية، على أن تنص على استثناءات محدودة، على أن يترافق مع التزامات مسبقة بالكشف عن المعلومات، وإجراءات واضحة وبسيطة لتقديم طلبات، ونظام رقابة مستقل وفعال.
وجدير بالذكر أن المادة 68 من الدستور السارى فى مصر تنص على أن «المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية».
(2) التنصل من احترام الحق فى المعلومات فى مصر:
فى واقعة صارت مشهورة، نشر الأستاذ فهمى هويدى مقالاً يتضمن الأرقام المروعة عن القتلى والمساجين التى يروّجها تيار اليمين المتأسلم لعدد ضحايا فض الحكومة المؤقتة لهذه الفترة الانتقالية الثانية للاعتصامات والمظاهرات التى ما فتئ التيار يشنها منذ منتصف 2013 احتجاجاً على ما يسمونه الانقلاب العسكرى وجرائمه فى حق أنصارهم.
ولست بمعرض الدفاع عن الأرقام التى أوردها الأستاذ فهمى ولا عنه، فهو كفيل بذلك ولا تعوزه لا الوسيلة ولا الحجة. ما يعنينى أن رئيس اللجنة التى شكلتها الحكومة المؤقتة -وهو رجل أكنّ له احتراماً وتقديراً- قد طالب الأستاذ فهمى بالكشف عن مصادره واعتبر أرقامه أقوالاً مرسلة. وتحول الأمر بعد ذلك إلى جدل منشور على صفحات صحيفة «الشروق» واتهامات لرئيس تحريرها الصديق عماد الدين حسين، أنزّهه عنها.
ما يعنينى هو دلالات هذا الموقف على تمسك الحكومة المؤقتة فى مصر بأدوات الحكم التسلطى فى منع الشعب حقه فى المعلومات والمعرفة وارتباكها المعيب فيما يتصل بالكشف عن حقائق ما يجرى فى مصر فى ظل إدارتها الخائبة لهذه المرحلة الانتقالية الثانية.
ومن الناحية القانونية، فإن الحكومة، بنص الدستور الذى قامت على إعداده وتبنيه، ملزمة بكشف الحقائق للشعب. واللجنة التى شكلتها تلك الحكومة لتقصى الحقائق فى الأحداث التى تلت إعلان خريطة الطريق فى 3 يوليو 2013، تعمل منذ شهور، وبعض هذه الأحداث قد مضى عليها ما يقارب العام الآن ما يجعل تقصى الحقائق بشأنها أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً. ولم تعلن اللجنة، أو أى جهة أخرى فى الحكومة المؤقتة، أى بيانات، ناهيك عن تقرير وافٍ حتى الآن.
والحال على هذا يشى بأنه عندما يكون هناك أى إجراء قضائى سيكون من المستحيل عقاب المسئولين عن أى جرائم ارتُكبت فى حق المواطنين من قبَل سلطة الحكم فى هذه المرحلة الانتقالية الثانية، تماماً كما حدث فى جرائم إيقاع الشهداء والمصابين أثناء وبعد الموجة الكبيرة الأولى من الثورة الشعبية العظيمة. فكأن همّ الحكومة المؤقتة ووزارة العدالة الانتقالية هو تغييب العدالة وإفلات من تورطوا فى جرائم ضد الشعب من المساءلة والحساب.
فلا اللجنة ولا مصادر أخرى فى الحكومة أعلنت أى حقائق عن تلك الأحداث وجرائرها، هم فقط يكتفون بنفى أرقام الطرف الآخر ومطالبة من يقترح تقديرات بشأنها بتوثيق مصادره والكشف عنها. وهذه لعمرى حجة العاجز أو من يريد أن يخفى الحقيقة لا أن يجلّيها.
فلترقَ الحكومة ولجنة تقصى الحقائق التى عيّنتها لواجبها الدستورى فى الإعلان عن الحقائق المخفية أو فلتصمت إلى أن تحير جواباً شافياً.
وإن كانت اللجنة تواجه صعوبات أو عوائق تعطل عملها، فمن واجبها وواجب الحكومة المؤقتة الإعلان عن هذه المعوقات والاعتذار عنها، وتقديم المتسببين فيها إلى المساءلة أو المحاكمة إن تطلّب الأمر.
وإلى أن يحدث ذلك فلن يكون من خاسر إلا الشعب والحقيقة. وستكون الحكومة المؤقتة مدانة فى حكم التاريخ بإخفاء الحقائق وتعطيل كشفها، ويحق للشعب إسقاطها وإقامة حكومة تحترم واجباتها الدستورية نحو الشعب والحقيقة.