المتابع لتداعيات العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة يلحظ بسهولة أن أعداء الدولة المصرية فى الداخل والخارج يعيشون نشوة غير مسبوقة منذ ثورة ٣٠ يونيو! السبب أن هؤلاء نجحوا حتى الآن فى استغلال كل قطرة دم أريقت فى غزة لشيطنة مصر حكومة وشعباً. تكفى نظرة واحدة على مواقع التواصل الاجتماعى لتكتشف أن مصر وليس إسرائيل هى العدو بالنسبة لهم، وأن قطر وتركيا تمثلان درع الحماية للعروبة والإسلام! كلما اجتهدت الآلة العسكرية الإسرائيلية فى قصفها البربرى على غزة، زاد فى المقابل القصف الإعلامى القطرى والتركى على مصر! السؤال هنا: هل كان الأمر مفاجئاً؟! بالطبع لا!.. يقول الواقع إن حلفاء جماعة الإخوان وجدوا فيما يحدث فرصتهم السانحة للثأر من ٣٠ يونيو.. لم يُفلحوا فى الاستفتاء على الدستور ولا فى الانتخابات الرئاسية.. سقطوا لدى الشعب عندما تبنوا نهج العمليات الإرهابية وأزهقوا أرواح الأبرياء، وفشلوا لدى الخارج فى تسويق المشهد وكأن مصر مقبلة على حرب أهلية تهدد الشرق الأوسط والعالم بأسره!.. فجأةً، وفى عز انكسار شوكتهم، يمنحهم بنيامين نتنياهو قُبلة الحياة لإحياء مشروع دولة الجماعة، ويقدم لهم غباءُ بعض المصريين فرصة النيل من بلد دفع من أرواح أبنائه أكبر فاتورة لنصرة القضية الفلسطينية!.. مربط الفرس هنا مواقف متشنجة لمنتسبين للإعلام ولما يسمى «النخبة»، لا تعبر عن الموقف الرسمى والشعبى الداعم للفلسطينيين على طول الخط.. مواقفُ لا يعرف أصحابها ضرورة التمييز بين حماس كفرع فلسطينى لجماعة الإخوان، وحماس كواحدة من فصائل عديدة للمقاومة.. المنطق يقول بتأجيل معركتنا مع حماس الإخوانية التى وقفت بأشكال مختلفة ضد إرادة غالبية المصريين، وبالتعامل العاقل مع حماس المقاوِمة حين تسعى مع فصائل أخرى لصك لغة جديدة للحديث مع إسرائيل.. حتى لو كنا على قناعة أن الطرفين، الإسرائيلى والحمساوى، سيقبلان فى النهاية بما يضمن مصالحهما المستقبلية المتمثلة فى بقاء حركة حماس حاكمةً على أهل غزة رغم تعسفها بحقهم، وضامنةً لعدم تحرك جماعات أخرى أكثر تطرفاً ضد تل أبيب!.. ليس فى الصالح أن تبدو بوصلتنا -زوراً وبهتاناً- وكأنها تشير إلى عدو أساسى آخر غير إسرائيل.. كما يقول المنطق أيضاً بأهمية الاعتراف بأن قنواتنا الفضائية الحكومية والخاصة -رغم وفرة عددها باسم الله ما شاء الله!- ليست فقط عاجزة عن التصدى للهجمة الإعلامية القطرية التركية، بل إنها تقدم للموتورين على طبق من ذهب مادة غنية لم يحلموا بالحصول عليها، مفادها أن مصر باعت القضية!.. مجرد عبارات سوقية يسعى أصحابها للشهرة، يتلقفها الإعلام القطرى والإسرائيلى ويتحد رجاله للعمل على استخدامها -كلٌّ بطريقته- لتشويه الموقف المصرى!.. فى الوقت نفسه يجتهد نشطاء مصريون وإماراتيون وسعوديون على مواقع تويتر وفيس بوك فى متابعة آخر أخبار التعاون العسكرى والتجارى بين تركيا وإسرائيل، الذى بلغ مدى قياسياً فى الوقت الذى يتشدق فيه أردوغان بدعم أهل غزة، بينما يغيب ذلك عن إعلامنا بجهل منقطع النظير!.. ينشرون صور القادة الأتراك، ومنهم أردوغان نفسه، أثناء تبادل الأنخاب مع شارون وأولمرت، وصور الاستقبال الحار لبيريز وليفنى فى الدوحة، وابتسامات حمد بن جاسم المرحبة بضيوفه الإسرائيليين، فيما يتصدر الشاشات السلطان العثمانى الجديد ملتحفاً الكوفية الفلسطينية بحركة مسرحية، زاعقاً بشعاراته الجوفاء، ومروجاً أكاذيبه ووقاحته فى حق مصر!.. يتابع هؤلاء النشطاء التناقضات التركية والقطرية ويفضحون أصحابها بأدوات بسيطة، أما نحن -بكل ما نملك من صحف وقنوات فضائية- فنقف بلا حول ولا قوة أمام اتهامات شنيعة حول المبادرة المصرية التى رددت الأذرع الإعلامية الإخوانية فى الدوحة وإسطنبول ولندن أنها تهدف لكسر شوكة المقاومة، رغم أن بنودها لا تختلف عن تلك التى قدمها محمد مرسى بمباركة أمريكية ووافقت عليها حماس قبل عامين!.. ثمة إصرارٌ مريب على الهزيمة أمام شلة المزايدين على مصر وجيشها وشعبها ورئيسها!.. هزيمة تساهم فى صنعهاأقلام وأفواه وجدت ضالتها فى فوضى المشهد المرتبك بأبعاده المختلفة، يغذيها ما يبدو أنه انشغال أو تجاهل من الدولة، فضلاً عن أخطاء تدفع بنا -نحن أصحاب الحق- إلى موقع الدفاع، وتبعدنا بغباء عن الإمساك بزمام المبادرة.