حين يصبح ثمن حياتك «بيان إدانة».. فلا شىء فى الوطن يستحق أن تموت من أجله.
ليس فى ذلك انتقاص من مكانة مصر فى القلوب.. وإنما هو إعلاء لشأن الإنسان.. فلا قيمة للوطن، أىّ وطن، دون مواطن كريم وعزيز.. ولا نهضة لأمة ترى أبناءها غُثاءً بلا ثمن.. يموتون فى الداخل، فتمشى فى الجنازة المهيبة وهى تذرف الدمع، ثم تربت على أكتاف ذويهم.. ويموتون فى الخارج، فتصدر بيانات إدانة وشجب.. ثم تستقبل جثامين الشهداء فى موكب رسمى..!
كان خبراً عادياً من فرط الموت المصرى المجانى: صاروخ يقتل 23 مصرياً فى طرابلس الليبية.. وكان بياناً عادياً من فرط الضعف المصرى، ومن تدنى نظرة الدولة للإنسان: وزارة الخارجية تدين قتل المصريين فى ليبيا..!.. وانتهى الأمر..!
منذ متى والحكومات تدين قتل مواطنيها عن عمد؟! وماذا ستقول وزارة الخارجية المصرية لو مات عشرات فى هجوم إرهابى بالهند أو جنوب أفريقيا أو نيكاراجوا؟! هل ثمة بيانات أضعف من «الإدانة»؟! هل نفهم من بيان «الخارجية» ورد فعل الدولة أن «الإدانة» هى العقاب القاسى الذى ترد به مصر دائماً على مَن يقتلون أبناءها؟!
«اقتل مصرياً.. وحكومته ستدين.. وربما تشجب.. وربما يزداد غضبها فتستنكر».. لا تقلق.. فدم المصرى رخيص.. اقتله فى كمين أو نقطة حدودية أو محطة مترو.. وسنمشى فى جنازته، ونمنح أسرته ثلاثة آلاف جنيه أمام كاميرات التليفزيون.. ولكننا لن نحاسب مَن أهمل أو تقاعس عن حماية حياته.. اقتله فى الخارج.. سواء كان رجلاً أو امرأة أو طفلاً.. لا تخَف.. صدِّقنى.. لا تخف.. فلدينا منه الكثيرون.. لدينا 90 مليوناً مثله.. حياته عندنا بلا ثمن.. حياته تساوى بيان إدانة يكتبه أى «واحد فاضى» فى «الخارجية».. وحين يأتى جثمانه سنلفُّه فى علم مصر.. ونهتف.. ونبكى.. ونتكلم.. ونتكلم.. ونحضن أمه وأبناءه.. فالفقيد سيكون خبراً مصوَّراً فى نشرة الأخبار..!