ليس غريباً أن يكون حزن العديد من الأشقاء العرب على ما جرى لجماعة الإخوان أكبر من حزن بديع والشاطر ومرسى مجتمعين! تلك حقيقةٌ تساعد على فهم مشاعر الحقد التى يبديها هؤلاء ضد مصر، منذ نجاح شعبها بمعاونة جيشه فى منع تحويل أكبر وأهم بلد عربى إلى ولاية تابعة للسلطان العثمانى أردوغان أو لدولة الخليفة أبوبكر البغدادى!
ما إن بدأ العدوان الإسرائيلى على غزة وسقط أول شهيد فلسطينى حتى وجد هؤلاء الأشقاء ضالتهم التى فقدوها بسبب ثورة ٣٠ يونيو.. عادت إليهم نشوة المتاجرة بالدماء، وشرعوا بتوظيفها فى لعبة قديمة لا يخجلون من ممارستها رغم انكشافهم وظهورهم كراقصين على جثث الأبرياء! هذه المرة عبَّروا عما فى صدورهم من كراهية لمصر بطريقة زاعقة، مستخدمين انفعالات شخصية لقلة من العاملين فى المجال الإعلامى ضد حركة حماس (وليس فلسطين) ووظفوها لتبدو كموقف رسمى وشعبى.. فى مقالى المنشور هنا الأسبوع الماضى انتقدت أصحاب تلك الانفعالات وكذلك فعل العديد من الزملاء الصحفيين والإعلاميين.. قلت بضرورة التفريق بين حماس كفرع فلسطينى لجماعة الإخوان، وحماس كأحد الفصائل المقاومة.. أكدت أن وقوف حماس ضد خيار غالبية المصريين، ودعمها للجماعة (بأشكال مختلفة) لا يعنى أن تتبدل ثوابتنا التى تقول إن إسرائيل هى العدو.. رغم ذلك كله تغلبت رغبة التربص على بعض الأشقاء العرب من أيتام جماعة الإخوان، فكالوا لى على «تويتر وفيس بوك» شتائم، لأننى ضمّنت مقالى إشارة إلى حملة ممنهجة يقودها الإعلام القطرى والتركى لشيطنة مصر.. ليس فى الأمر مشكلة بالنسبة لى، إذ تعودت على تلقى اتهامات وانتقادات وشتائم عند كل مرة أتناول فيها مواقف هؤلاء الباحثين عن ذريعة تقودهم إلى حلم تفكيك (الدولة) المصرية.. عقب ثورة ٣٠ يونيو كتب لى أحدهم يبلغنى برغبته فى إنهاء صداقتنا.. اندهشت يومها لأن اختلاف المواقف لم يمنع المودة بيننا، لكنى تفهمت مشاعره بعد أن سقط المخطط الإخوانى.. فى الأسبوع الماضى وصف زميل يعمل فى قناة شهيرة داعمة للإخوان مقالى بالتافه.. شعرت بتوتره الشديد من تساؤلى عن الفرق بين المبادرة المصرية للتهدئة فى غزة التى قدمتها الحكومة المصرية بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلى على غزة ورفضتها حماس، وتلك التى قبلت بها عام ٢٠١٢ حين قدمها محمد مرسى؟!.. انزعج الزميل (وعمل نفسه من بنها) ما جعلنى أكتب الرد التالى: (أستاذ فلان: إذا كنت لم تفهم مقالى المكتوب بالعربى فيمكن أن نجد صديقاً يترجمه للتركى.. أما إذا كنت تريد أن (تهيص) وتزايد فعلى الرحب والسعة، حيث ما زلنا فى الشهر الفضيل الذى يُحسن للمرء أن يتسامح فيه مع الآخرين.. فى جميع الأحوال أتفهم مشاعرك ومشاعر زملاء كثر أمثالك حرمتهم ثورة ٣٠ يونيو من المشاركة فى تغطيات حلمت بها إدارات قنواتهم.. على سبيل المثال: استيلاء الجيش المصرى الحر على مخازن أسلحة الجيش النظامى فى الإسماعيلية، أو حوار خاص مع قائد كتيبة القعقاع بعد رفع علم القاعدة على مديرية أمن أسيوط، أو مراسم وصول والى مصر إلى إسطنبول لتقديم البيعة إلى الخليفة أمير المؤمنين.. الحق أقول لدينا فى مصر أخطاء وتجاوزات وربما كوارث.. ميراث عقود من الفساد وسوء الإدارة.. لكن ذلك مهما كبر وتعدد فلن يؤثر قيد أنملة فى خيار شعب أراد الحفاظ على هويته.. يا عزيزى: لدينا جيش وطنى ودولة.. هل تسمعنى؟.. أكرر: د و ل ة!.. كل ما عدا ذلك يمكن علاجه.. لأن الأساس موجود.. ذلك ما لا يفهمه أصحابك!)
لا أدرى إن كان الزميل قد تابع خلال الأيام القليلة الماضية موقف حماس من التهدئة أم لا؟.. بمقدورى أن أساعده: الحركة يا عزيزى أعلنت قبولها لهدنة غير مشروطة مرتين.. أكتب هذه السطور صباح الجمعة ولا أعرف هل أحصيت عدد الشهداء الفلسطينيين الذين ارتقوا خلال الأيام الماضية بين رفض وقبول حماس للهدنة؟!.. هل باستطاعتك الإجابة عن أسئلة يخشى أهل غزة طرحها؟ على سبيل المثال: ما الذى تغير لتقبل حماس هدنة بعد رفضها؟!.. هل تأييد المقاومة يُحتم تأييد جميع مواقف قادة الحركة والتهليل لهم على طريقة أنصار الإخوان قبل صدور قرارات مرسى؟!
أوقن أن الزميل وأمثاله لا يملكون ترف استخدام العقل والمنطق للإجابة عن تلك الأسئلة.. فالمزايدة على مصر أسهل، وكذلك اللحاق بموضة تحقير شعبها، الوحيد الذى لم تتلوث أياديه بدماء فلسطينية مقارنة بما جرى فى دول عربية تتغنى بشعارات الصمود والتصدى.. والأهم المشاركة فى كورال سب الجيش المصرى الذى يمثل شوكة فى حلق أيتام الإخوان داخل مصر وخارجها!