الحكم الذى أصدرته المحكمة الإدارية العليا مؤخراً ومقتضاه تأييد حكم المحكمة الدستورية العليا بإبطال مجلس الشعب، واعتباره باطلاً منذ قيامه للعوار الدستورى الذى لحق بنظام الانتخابات وتوزيع الدوائر بين القوائم والفردى، يعد انتصاراً لدولة القانون.
والواقع أنه منذ صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بإبطال مجلس الشعب، وجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة لم تقصر فى بذل الجهود الدائبة لإعادة المجلس إلى الحياة بعد إعلان موته الدستورى!
وبغض النظر عن المحاولات القانونية العقيمة التى أدارتها جماعة الإخوان المسلمين بصدد الحكم، وهل هو ينصب على ثلث المقاعد فقط أم على كل المقاعد، فإن الموقف تغير كلية بعد نجاح الدكتور «محمد مرسى» مرشح حزب الحرية والعدالة فى الانتخابات وتنصيبه رئيساً للجمهورية.
وقد أدى ذلك إلى انتعاش أحلام جماعة الإخوان المسلمين، ومارست ضغوطاً كثيفة على رئيس الجمهورية المنتخب، بناء على فتاوى قانونية مغشوشة قدمها له عدد من المستشارين القانونيين، وذلك حتى يصدر قراراً جمهورياً بإلغاء قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أصدره بعد حكم الدستورية واعتبار أن المجلس أصبح منحلاً.
وخضع رئيس الجمهورية للضغوط الإخوانية للأسف الشديد، مع أنه أقسم لحظة تنصيبه على احترام الدستور والقانون، وأصدر بالفعل قراراً جمهورياً بعودة المجلس.
وبالرغم من صيحات التهليل والتكبير التى انطلقت من حناجر قيادات الإخوان المسلمين ابتهاجاً بعودة المجلس الذى ناضلوا بشراسة لبقائه بالرغم من بطلانه، فإن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكماً تاريخياً سيسجل فى تاريخها الزاخر بالإنجازات، بإلغاء قرار رئيس الجمهورية وتأكيد أن المجلس باطل، وأن حله أمر مشروع.
ويحمد للسيد رئيس الجمهورية أنه امتثل لحكم المحكمة ولم يحاول المجادلة حول بقاء مجلس الشعب.
غير أن قيادات الإخوان المسلمين قامت من باب التنطع السياسى برفع قضية أمام المحكمة الإدارية العليا، لكى تصدر حكماً ببقاء مجلس الشعب.
والواقع أن هذا المسعى كان فيه جهل شديد بالقانون للأسف الشديد، وعدم معرفة أن أحكام الدستورية العليا ملزمة لكافة مؤسسات الدولة أولاً، ولكافة المحاكم ثانياً، وبالتالى لم تكن تستطيع المحكمة الإدارية العليا «نقض» حكم الدستورية والحكم بعودة المجلس.
ويمكن القول إن المحكمة الإدارية العليا بحكمها إنما أعملت صحيح القانون.
ومع ذلك تصاعدت صيحات بعض المحامين من أعضاء الجماعة بأن هناك حكماً آخر سيصدر بعد أسابيع، وسيحضرون لكى يقدموا دفوعهم الشكلية والموضوعية مرة أخرى.
إلا أن بعض العقلاء من قادة الجماعة انصاعوا لحكم الإدارية العليا، وقرروا بأن ملف عودة مجلس الشعب قد أغلق نهائياً، وأنه من الأفضل للجماعة أن تتفرغ وتستعد للانتخابات القادمة.
والواقع أن بطلان مجلس الشعب لم يكن هو المعركة الوحيدة التى دارت بين دولة القانون ممثلة فى المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا، وذلك لأن لدينا معركة أخرى تتعلق باللجنة التأسيسية لوضع الدستور.
وقصة اللجنة التأسيسية فيها جوانب شبه متعددة بقضية مجلس الشعب الباطل.
وذلك لأن حزب الحرية والعدالة أراد على سبيل الاستحواذ تشكيل اللجنة من أعضاء مجلس الشعب الذين ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، وذلك للهيمنة على وضع الدستور وصبغه باتجاهاتهم الدينية، التى هى على سبيل القطع ضد مبادئ الدولة المدنية.
وقد رفضت القوى الليبرالية واليسارية والثورية تشكيل اللجنة بهذه الصورة المتحيزة، ودعم هذا الرفض السياسى حكم قانونى صدر بإبطال تشكيل اللجنة التأسيسية.
وتم تشكيل لجنة تأسيسية أخرى فيها نفس عيوب اللجنة الأولى، ولذلك لم توافق قوى ليبرالية متعددة على الانضمام إليها، بل وانسحب منها عدد من الرموز السياسية؛ احتجاجاً على محاولات الهيمنة على صياغة مشروع الدستور.
وقد لاحظ المراقبون السياسيون أن جماعة الإخوان المسلمين تتعجل الانتهاء من المشروع وتسعى بصورة محمومة إلى عرضه على الاستفتاء الشعبى، قبل أن تتاح للقوى السياسية المختلفة أن تناقشه بصورة نقدية تفصيلية، وقبل أن تتم حملات منظمة لتوعية الجماهير بمضمونه قبل الاستفتاء، حتى لا تجىء موافقة الجماهير حتى ولو كانت بنعم على مشروع للدستور لم يتفهموا جيداً مواده ونصوصه.
ومعنى ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين بعد أن ضمنت حصولها على مقعد رئيس الجمهورية، تريد التعجل فى الاستفتاء على الدستور حتى تجرى الانتخابات النيابية التى تطمح فيها إلى الحصول على الأكثرية، وهكذا تتحقق الخطة الإخوانية فى الهيمنة على مجمل الفضاء السياسى المصرى.
فى مواجهة هذه الخطة هناك تحالفات ليبرالية متعددة لتوحيد الصفوف استعداداً للمعركة الانتخابية الحاسمة، ويبقى السؤال: هل ستستطيع هذه القوى أن تتخلى عن نزعة المطامح الشخصية وأحلام الزعامة السياسية فى سبيل المناهضة الفعالة لخطة تأسيس الدولة الدينية؟ سؤال نتركه للمستقبل القريب!