من الطبيعى أن تستمر الضجة التى أثارها قرار الدوحة طرد قيادات إخوانية، على الأقل، لأن الممانعة التى تمسّك بها حكام قطر فى مواجهة الضغوط الخليجية، صوّرت للجميع أن المسألة تتعلق بمبدأ، وأن العاصمة القطرية تستحق لقب (كعبة المضيوم) الذى خلعه عليها إعلامها وردده ضيوفها، الذين يشعرون الآن أنهم مجرد أوراق تُستخدم عند الحاجة، حتى إن تظاهروا بعكس ذلك!
فى اللحظة التى أعلن فيها القيادى الإخوانى عمرو دراج، مغادرة قطر (لرفع الحرج) عن حكومتها، حسبما جاء فى بيانه، تذكرت على الفور بعض الزملاء والأصدقاء من المصريين العاملين فى وسائل إعلام قطرية.. تخيّلت رد فعلهم على هذا التطور المفاجئ، فشعرت بالإشفاق عليهم، ورددت أسئلة افترضت أن كل واحد منهم طرحها على نفسه: هل سيأتى يومٌ لنصبح خبراً من الأخبار التى نردّدها يومياً؟!.. هل سيُطلب منا مغادرة الدوحة خلال أسبوع كما حدث مع وجدى غنيم وعمرو دراج وحمزة زوبع وآخرين؟! إلى أين ستكون وجهتنا التالية فى حال تكرر معنا السيناريو نفسه؟!
بالتأكيد هناك فروق شاسعة فى معاملة النظام القطرى مع ضيوفه.. فمثلاً لن يستوى الدكتور عزمى بشارة الشهير بعرّاب الدوحة مع الدكتور محمد الجوادى الذى يحلو له وصف نفسه بـ(أبوالتاريخ)، ولا يملك ما يقدمه سوى حكايات مسلية! لذلك مهما تفانى المصريون العاملون فى الإعلام القطرى وضيوفه فى الإساءة إلى مصر وشعبها وجيشها، فلن يعصمهم ذلك من يوم قد لا يكفى لجمع المتعلقات الشخصية ووضعها فى حقائب السفر قبل التوجه إلى مطار الدوحة! فى المقابل لا خوف على «غنيم ودراج وزوبع» وإخوانهم، فقد أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ترحيب بلاده بهم، وكأنه يتبادل الأدوار مع الأمير تميم بن حمد، الذى دفع المقابل على الفور فى صورة كميات هائلة من الغاز القطرى المسال.. صفقة متكافئة لطرفيها: «الغاز مقابل الإخوان»! لا شك أن القيادات الإخوانية ستجد ظروفاً أفضل فى تركيا، على الأقل، الطقس فى إسطنبول ألطف من صهد الدوحة، والتنزّه فى ميدان (تقسيم) لا يُقارن مع التجوال فى (سوق واقف)، كما أن شواطئ مرمرة تتفوق على كورنيش الدوحة، ناهيك عن الشاورما التركية التى تناسب المعدة المصرية أكثر، مقارنةً مع (الثريد) القطرى! لذلك ليس غريباً لو شعرت قيادات إخوانية من الصفوف التالية بالغيرة تجاه مَنْ غادر قطر.. ربما يحلم هؤلاء بالجنة التركية الآن أكثر من أى وقت مضى.. فى الحقيقة لا أنشغل بهؤلاء، إنما انشغالى وقلقى على زملاء تحولوا إلى مجرد تروس فى الآلة الإعلامية الموجّهة ضد الدولة المصرية.. تدور تلك التروس على مدار الساعة، سعياً لإسقاط (الدولة) واستعادة حكم (الجماعة).. بعضهم يفعل ذلك مقتنعاً، كحال قسم من معتصمى رابعة، صدّقوا أن سيدنا جبريل عليه السلام، سيهبط من السماء ليصلى معهم التراويح! أما البعض الآخر من هؤلاء الزملاء فمحكومون بأكل العيش.. غير أن جميعهم يتناسى أن طقس السياسة لا يثبت على حال، وأن يوماً سيأتى ليعود فيه حكام قطر إلى رشدهم، وترجع فيه العلاقات المصرية - القطرية إلى وضعها الطبيعى الذى يرضى الشعبين الشقيقين! حينها كيف سينعكس ذلك عليهم وهم أصبحوا أعمدة الأذرع الإعلامية القطرية؟! هل سيسيرون مع التوجه الجديد؟! ربما يجد البعض منهم عزاءً فى ما صرح به وزير الخارجية القطرى منذ أيام حول عدم وجود نية لممارسة ضغوط على وسائل الإعلام.. وقد يستعيد آخرون ما حدث مع قادة حركة حماس حين طُلب منهم مغادرة الدوحة قبل سنوات، لكن العلاقة مع الحركة بقيت كما هى! من الجائز طبعاً أن مسألة طرد القيادات الإخوانية هى مجرد تغيير محل إقامة، واستبدال فنادق إسطنبول بفنادق الدوحة، وفى الحالتين ستُدفع الفواتير من الخزينة القطرية! ومن المحتمل أن حكام قطر استمعوا إلى نصائح عزمى بشارة ورأوا ضرورة الانحناء أمام عاصفة الضغوط الخليجية.. حتى لو كان ذلك صحيحاً فإنه لا يمنع أن كل مَنْ تستخدمهم الدوحة ضد مصر والسعودية والإمارات مجرد أوراق ستتخلص منها عند اللزوم؛ لذلك أعتقد أن على الدولة المصرية فتح الباب أمام أبنائها من العاملين فى الإعلام القطرى، ليعود الجميع إلى الوطن، عدا المتهمين بالتورط فى أعمال إرهابية. إننى على يقين أن معظم هؤلاء يشعرون بأنهم كالأسرى. فهل من مبادرة من الحكومة أو من الرئيس السيسى شخصياً لفك أسرهم؟!