وكأنك صنعت لهم مركبة فضائية للوصول إلى المريخ، وكأنك أعدت بناء كعبة المرشد ليزوروها مرة أخرى، وكأنك أرجعت عقارب الساعة ليروا يوماً من أيام «عياطهم»، هذه هى الحال الإخوانية عند قراءة سطور الحاج ثروت بن جودة المخابراتى الصانع للبهجة الإخوانية أينما حل وحلُّوا، فكلمات الرجل الذى ابتعد عن الجهاز الوطنى منذ سنوات ما زال يملأ الدنيا صياحاً بمعلومات ليست بمعلومات وحكايات ليست بحكايات، فهى إن أصابت خابت وإن خابت أصابت، فإن كان حقاً ما يقوله فعلى الصورة الذهنية لأهم مؤسسة مصرية السلام، وإن لم يكن حقاً فكيف يُسمح لمن خدم فى جهاز دستوره الكتمان وقسمه «الله الوطن بالأمر» أن يعبث أمام الرأى العام ويتحدث عن أشياء تسىء إلى مصر وتنال من احترام مؤسسات عريقة وطنية حمت البلاد والعباد طوال سنوات، وجميعنا يشعر نحوها بالتقدير والإعزاز، وإليكم كلاماً كتبه المحترم الأستاذ جمال طه، الباحث فى شئون الأمن القومى، على صفحته على الفيس بوك:
ملاحظات سريعة على حديث نشرته جريدة الوطن
■ تقارير الجيش التى خرجت يوم 20 يونيو، قالت للسيسى صراحة: 95% من الجيش لو أنت ما أخدتش القرار، هم هينزلوا ياخدوا القرار.
- هل أصيب بحالة خلط أفقدته التمييز بين الجيش المصرى وجيش حليمة؟!
■ أنا من الناس التى تدربت مع 6 أبريل بصفتى باحثاً سياسياً وقتها.
- وعندما عدت لماذا لم تكشف عن أبعاد المؤامرة التى يستهدف الغرب بها مصر، وهذا التدريب من أدواته؟!
■ فى معرض حديثه عن اختراق أجهزة المخابرات الدولية لبعضها البعض قال: «جهازنا جنّد ناس من أمريكا وروسيا وإسرائيل وغيرهم، وفى المقابل محدش عندى أنا اتجند ضد مصر».
- هل هذا كلام مسئول مهنياً وسياسياً إذا كان صحيحاً؟! وما تأثيره على علاقاتنا بهذه الأجهزة، وبدولها؟!
■ مرسى متهم فى 8 قضايا منفصلة، لكن لأن السيسى رجل رحيم ويراعى الله كثيراً، فقد دمجها فى قضيتين فقط.
- منذ متى يتدخل رئيس الجمهورية على هذا النحو فى القضاء؟! وما تأثير ذلك اللغو على صورة القضاء المصرى ونزاهته؟!
■ قولاً واحداً فاصلاً: المخابرات العامة المصرية لم تعط شيئاً حقيقياً لمستر مرسى!
- منذ متى يقدم الجهاز معلومات مغلوطة -لرئيس الدولة- أياً كان، على النحو الذى يترتب عليه أن القرارات التى يتخذها تكون خاطئة وتورط البلد!!
■ حسنى مبارك كان خائفاً من الجلوس مع ديك تشينى.
- هل هذا وصف يجوز أن نصف به رئيس دولة مصر، أياً كان؟!
■ من البداية قال البنتاجون لـ«أوباما»: «مش عايز اللعبة دى، إهدا يا أوباما، تصرفاتك كلها خطأ تجاه مصر» لكن «أوباما» لم يهتم بهذا الكلام.
- هذا الكلام شبيه بما نسمعه فى عالم سمسم، ولا علاقة له بتحليل آليات صنع القرار السياسى فى دولة عظمى.
■ نملك قوات «الشبح» فى الشرطة، أُنفق عليها 200 مليون دولار وهذه القوات لم تنزل للشارع حتى اليوم، لأنها لو نزلت الشارع لن يتحملها أحد، وهى تصنف كثانى أقوى قوات خاصة شرطية على مستوى العالم.
- هل رآها أو سمع عنها أحد؟ لم يحدث، قوات بهذه المواصفات ولا نستخدمها لأن أحداً لن يتحملها، فلماذا إذن كلفنا الدولة كل هذه التكاليف؟! ومن المسئول عن هذا الإهدار؟! إلا لو كان الهدف مجرد إظهارها فى أفلام النينجا.
■ وثيقة خرجت من عند خيرت الشاطر، وجاءت منها صورة لى من خلال أحد مصادرى.
- منذ متى يحتفظ ضباط المخابرات بمصادرهم لأكثر من 6 سنوات بعد تقاعدهم؟!
ما قيل فى هذا الحديث يستحق تحقيقاً مهنياً من الجهاز، سياسياً من الرئاسة، تأكيداً لعدم تدخلها فى القضايا، قضائياً للمحاسبة على اتهامات تمس نزاهة القضاء المصرى وحياديته.
أما «الوطن» فينبغى أن يتم معها تحقيق مهنى لمعرفة المعايير المهنية التى على أساسها يمكن نشر مثل هذه الهرتلة التى تمس وضع الدولة وتتيح لأعدائها أسلحة ضاربة توجهها لمصر. لا أحد يتعلل بخلفية الرجل.. هذه الخلفية تفرض الرصانة والتحفظ وحساب مردود كل كلمة قبل بصقها هكذا.
وهنا انتهى كلام المحترم جمال طه، فى حين تتساقط علينا أوراق الشخص الخريفى صفراء فاقع لونها لا تسر ناظرين ولا سامعين ولا تجلب ثماراً ولا تصنع حياة بل تشير إلى موات، موات الفكرة وسيطرة السكرة، سكرة الفوضى التى تجعل كل من كان ذا سلطان يتصور أن أنهار المعرفة تجرى من تحت قدميه، ويعتقد أنه منح صكاً سيساوياً ليتحدث كما شاء وكيفما شاء ما دام يمتدح الرئيس!!
«ثروت جودة» هو أيضاً صاحب مبادرة إنقاذ الاقتصاد المصرى التى طمع فيها أحمد موسى عندما كان فى «التحرير»، معذرة القناة مش الميدان طبعاً!!! قال جودة حينها إن لديه القدرة والاتصالات ليعطى شباباً فى المحافظات تمويلاً حده الأدنى 50 مليون دولار لكل شاب، 50 مليون دولار حتة واحدة؟! ولن أزيد فى ذلك فـ«العينة بينة»، فمن يفسر شفرات «عوكل المخابراتية» يمكنه أن يعطى شاباً ملايين الدولارات ليبدأ مشروعاً!!
تحية لقوات «شبح» ثروت جودة التى ظلت صابرة وكظمت غيظها لسنوات وصمتت لاقتحام السجون وأقسام الشرطة واعتصامات الميادين وقتل رجال الشرطة والجيش فى سيناء وتنتظر فقط صواعق السماء وأصوات البرق ونزول يأجوج ومأجوج لتتحرك من أجل حماية المحروسة من الفتن والأشرار!! تحية لكل «ثروت جودة» أنبتته الأرض المصرية، فهو ليس كالآخرين، هو متفرد بعطائه ومعلوماته، هو «ونستون» بطل «جورج أورويل»، لم يكن باستطاعته أن يتذكر شيئاً عن الماضى: إذ لم يبقَ له من ذكريات الطفولة إلا صور غير واضحة المعالم!!
وختاماً.. لن أتحدث عن جريدة «الوطن» فيكفيها ما كتبته ويكفيها تسجيلها «النادر» بالطبع مع آبا الحاج «جودة»، أما بالنسبة لى فالأمر يتعلق بشيئين، أولهما: ما قاله الرجل يدخل فى دائرة العبث، فهو تحوير مصرى جداً يستحق عليه الثناء من «أبوالعريف» نفسه، ثانيهما: حرص وطنى ألا تنتشر مثل هذه الأصوات التى تضر بنا وباختياراتنا ومستقبلنا لمجرد أنها تحمل لقباً من الماضى وتظن أنها وصية على الشعب فى حين أنها تفتح باباً للفوضى وتمهد الأرض بعناية مدهشة لنفاذ الظلاميين مرة أخرى!!