لو وضعوا الشمس فى يمينه، والقمر فى شماله، على أن يترك الأضواء لن يفعل! هكذا هو عمرو موسى منذ بزوغ نجمه السياسى!
تعوّدنا عليه وتقبلنا منه ذلك عن طيب خاطر، حتى إن ظهوره دون كاميرات وميكروفونات، بعيداً عن لمة الصحفيين والصحفيات يبدو غير مألوف للعين!
بصمنا له بالعشرة واعترفنا بكاريزمته وحضوره الطاغى فى الحرب والسلم، وفى الاحتفالات الوطنية والمآتم القومية على حد سواء!
كثيرون يحسدونه على أناقته، ويقارنونه فى هذا الخصوص بنجوم السينما، وبالرئيس الراحل أنور السادات.. فى كل الأحوال يفوز عمرو موسى بالمقارنة!
حُفرت فى الرأس صورته، واثق الخطوة يمشى مندوباً دائماً فى الأمم المتحدة، ثم وزيراً للخارجية، فأميناً لجامعة الدول العربية.. اجتمعت الآراء على وطنيته وعلى استحقاقه حبّ الجماهير، وأشفقت عليه القلوب حين غنّى له شعبان عبدالرحيم (باحب عمرو موسى وباكره إسرائيل).. ظن أصحاب تلك القلوب أن الأغنية ستجر على بطلها المتاعب!
فى لحظة ما رآه كثيرون فى مصر وخارجها بدراً ينير ظلام الواقع العربى.. حزن هؤلاء عندما ترك الرجل حقيبة الدبلوماسية المصرية، وأنزلوا لعناتهم على مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية حينها، التى قيل إنها لعبت دوراً كبيراً فى (ترقيته)!
استبشر محبوه خيراً فى بداية عهده فى الجامعة العربية، لكن الرياح لم تأتِ بما يشتهونه.. تحول الرجل إلى هدف لمنتقدى عجز الحكومات العربية..
المصيبة بالنسبة لهم أنه تعوّد على الأمر، وارتضى لنفسه العمل بسياسة جبر الخواطر على الله! لم تعد تصريحاته مفيدة لتسكين الآلام، فما بالك بحل القضية الفلسطينية! أُنهكت طائرته من التحليق وسط عواصف الخلافات العاتية، فى أجواء العراق والخليج وليبيا ودول محورى الاعتدال والممانعة!
فشل عمرو موسى، الدبلوماسى المخضرم، أمام ما تطلبه الجماهير وما يقتضيه كرسى الأمانة العامة! ناداه محبوه ومعارضوه فى صوت واحد: يا عمرو.. احمل عصاك وارحل! غير أن الرجل تمسك بالكرسى وتجاهل النداء رغم تكراره مرات عديدة! خاف من عواقب الخطوة، وأهمها: فقدان الأضواء!
حين سألوه فى السابق عن إمكانية ترشحه فى انتخابات الرئاسة، تدثّر بالصمت حيناً وبعبارة (لا تعليق) أحياناً!
عين فى الجنة وعين فى النار! هكذا فُسر موقفه آنذاك، فماذا تبدل اليوم؟
هل يُفهم من كلام عمرو موسى الأخير رغبته الفعلية فى المشاركة واستخدام حقه فى (الطموح لمنصب يحقق الإسهام فى خدمة الوطن بما فى ذلك المنصب الأعلى، أى منصب رئيس الجمهورية) حسب تعبيره؟!
أم أن (اتخاذ قرار فى هذا الشأن يخضع لاعتبارات عديدة، وما زلنا بعيدين بعض الشىء عن وقت اتخاذ أى قرار فى هذا الشأن) حسب تعبيره أيضاً؟
هل يخطو عمرو موسى خطوة عملية (للإسهام فى إيقاظ مشروع نهضة مصر بطريقة غاية فى الجدية وبعيدة عن ممارسة المانشيتات، وفى إطار من التوافق الوطنى الذى يضم الجميع دون استثناء) وفق كلامه؟ وكيف سيتمكن من تحقيق ذلك ما دام يكرر فى الوقت ذاته أنه (ليس لديه تفكير محدد فى مسألة الترشح للرئاسة)؟
هل للمسألة علاقة بما يتردد عن قُرب رحيل «موسى» عن منصبه، الذى تطالب دول عربية كثيرة بإنهاء احتكار مصر له.. أم أن طرح أسماء «زويل والبرادعى» فى بورصة الرئاسة دفع «موسى» ليقول: وأنا؟؟!!
أسئلة شتى تحيط بتصريحات الأمين العام التى تضمن له الأضواء فى جميع الأحوال.. المهم أن يحسبها عمرو موسى بطريقة صحيحة، حتى لا يصبح كفراشة تحوم بالقرب من الكشافات القوية التى تنير استاد القاهرة!
■ ■
أردت أن أفهم نشاط السيد عمرو موسى على الساحة السياسية فى الوقت الراهن، فوجدت من المفيد إعادة قراءة هذا المقال الذى كتبته عام ٢٠٠٩!