- نشر الكونجرس الأمريكى تقريراً عن التعذيب الذى مارسته الـCIA تجاه المقبوض عليهم بعد 11 سبتمبر.. ويقع التقرير الأصلى فى ستة آلاف صفحة.. أما المنشور منه فيقع فى 600 صفحة، أى أن 9/10 من التقرير قد تم حذفه.
- وإذا كان التقرير المختصر فيه من المخازى والجرائم الوحشية والتعذيب الممنهج ما فيه فكيف بالتقرير الأصلى الذى يعتقد الكثيرون أنه يحوى جرائم أفظع وأشنع؟!
- لقد كانت أمريكا فى حالة جنونية بعد 11 سبتمبر فعذبت كل من وقع تحت يدها.. وطال التعذيب البرىء والمذنب.. خاصة أن 80% من معتقلى جوانتانامو ثبتت براءتهم وأفرج عنهم.
- كما تحدث التقرير باختصار عن الدول التى ساعدت أمريكا فى التعذيب.. ويؤسفنى أن مصر مبارك منها.
- لقد صدر التقرير.. والمهم الآن ما الذى ينبغى علينا تعلمه وتنفيذه أو تركه وهجره؟ وأعتقد أنه يكمن فى الآتى:
1- الدول تشبه الإنسان حينما تكذب.. بل إنها أكثر كذباً من الإنسان العادى.. ولا توجد دولة فى العالم لا تمارس الكذب.. فها هى أمريكا كذبت على العالم كله حول مبررات غزو العراق دون اعتذار أو تعويض لشعب العراق.
- وكلما كثرت مصالح الدول ومشاكلها وأسرارها وتدخلها فى شئون الدول الأخرى أو انتهاكها للقانون زاد كذبها.. والدول لا يهمها الكذب لأنها ببساطة تتعود عليه.. وهى تعشق أن تكون كاذبة وقوية أكثر من كونها صادقة وضعيفة.. ولذلك توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالنار ثلاثة، منهم «ملك كذاب» أى حاكم كذاب.. لأن مبررات الكذب تنتفى عنده.
2- كل الدول تعذب وتخرق كل القوانين إذا تعرض أمنها القومى للخطر أو تعرض حكمها أو حكامها لتهديد جدى.. ولكن يختلف التعذيب من بلد لآخر.. ومن وقت لآخر فى كل بلد.. حسب الظروف السياسية والدولية والأمنية المحيطة بكل منها.. وهذا موضوع طويل.
3- كانت أمريكا قبل 11 سبتمبر تتيه على العالم الثالث بأنها راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان فإذا بها تستخدم أحط الأساليب فى التعذيب وإهدار الكرامة الدينية.. بل إن تجربة الجيش الأمريكى فى سجن أبوغريب أثبتت أن معظم هؤلاء الجنود يتعطشون للتعذيب وبعضهم سادى ويسعدون بانتهاك حرمات غيرهم وكرامتهم الدينية والإنسانية.. ولعل ما تم تسريبه من فيديوهات أبوغريب ينم عن بعض ذلك.
4- كنا نعرف قديماً ما يسمى «الحرب بالوكالة».. أما «التعذيب بالوكالة» فهو اختراع أمريكى جديد.. وذلك بعد أن وجدت أمريكا أن معظم المتهمين عرب لا تحسن التفاهم معهم واستخراج المعلومات منهم فترسلهم إلى بعض الدول العربية لتعذيبهم ثم إعادة إرسالهم ومعهم CD التحقيق.. وكأن المتهم عبارة عن «طرد بريدى» يرسل ليعذب ثم يعاد مرة أخرى.
- وقد لعبت المطارات الألمانية الدور الأكبر فى توزيع المتهمين للتعذيب بالوكالة على دول مثل مصر أو الأردن أو رومانيا أو بولندا وباكستان.
5- يؤسفنى ويؤسف كل مصرى أن مصر ذُكرت فى التقرير قرابة 157 مرة.. واستقبلت من 60 - 70 حالة «تعذيب دليفرى» أو تعذيب بالوكالة.. وقد أقر د. نظيف فى عهده بذلك.. فى حين نفاه الجميع.. وهذا أساء ويسىء لمصر التى حولها مبارك إلى خادم لأمريكا ليتربع هو وابنه على عرش مصر أطول فترة ممكنة بإساءة استغلال سلطته.. وليبيع كرامة مصر بثمن بخس دراهم معدودة وملك زائل.
6- هذا التقرير يعد درساً لكل الدول وحكوماتها أن ما خفى من أمور السياسة سيظهر لا محالة.. وأن كل الصحائف ستقرأ فى الدنيا قبل الآخرة، فإن لم يعاقب صاحبها فى الدنيا فستكون عاقبتها خسراً فى الآخرة.
7- معظم الدول كالإنسان اللئيم الماكر الذى يلتف حول القوانين يريد الهروب منها والتحايل عليها.. ومعظمهم يفعل ذلك ولكن بدرجات تختلف من مكان لآخر بحسب حريات الصحافة والإعلام والديمقراطية وفعاليات مؤسسات المحاسبة.
- وقد التفت حكومة بوش على القانون الأمريكى الذى يحظر التعذيب على الأراضى الأمريكية.. فقالت: «بسيطة.. نعذبهم فى رومانيا وبولندا ومصر والأردن وباكستان وأفغانستان» من دول العالم الثالث.. وما فعله بوش وإدارته يشبه ما فعله بعض اليهود الأقدمين الذين احتالوا على الصيد فى يوم السبت وكأنهم يضحكون على الله ويخدعونه.
8- هل يعتبر تقرير الكونجرس نوعا ً من التطهر الأمريكى الحقيقى؟ وللإجابة عن هذا السؤال نقول:
- إن المجتمع الأمريكى العام نقى يحب التطهر.. كما حدث مع المواطنين الأمريكيين الشرفاء الذين سربوا صور انتهاكات سجن أبوغريب للعالم كله.. وكالذى دشن موقع ويكليكس وغامر بحياته من أجل الحقيقة.. وكالذى كشف فضيحة ووتر جيت.
- أما الإدارات الأمريكية المتعاقبة فلا يظن أحد أنها ستتطهر من مثل هذه المخازى، لأنها تكررها بداية من هيروشيما ونجازاكى وفيتنام وأفغانستان والعراق حتى الآن.. فهذه الإدارة تسيطر عليها وتتلبسها الروح الصهيونية.
- أما الكونجرس فلا يخلو دوماً من شرفاء وأنقياء يحبون بلادهم ويرغبون فى خيرها ويكرهون جبروتها وظلمها.. ويكفى له فضيلة أنه أخرج مثل هذا التقرير للعالم كله.
9- هل للصراع الانتخابى دور فى توقيت إخراج التقرير لكى يحرج الجمهوريين ويحول بينهم وبين الرئاسة بعد نصرهم فى الكونجرس؟!
- قد يكون ذلك صحيحاً.. ولكنه على كل حال شىء جيد من نقد الذات وفقه المراجعة مما لا يوجد فى بلاد العالم الثالث والدول العربية التى يحدث فيها أكثر من ذلك ويمر مرور الكرام.
10- إن الدول كالأشخاص فيها من الحمق والنزق والغضب والكيد والظلم ما فى الإنسان الشرير.. وفيها من الخير والرفق والحلم ما فى الإنسان النبيل.
- فالدول تكون ودودة فى أوقات الصفاء.. وشريرة فى أوقات الصراعات والحروب.. مثل التعذيب الأمريكى بعد 11 سبتمبر والتعذيب فى مصر بعد اغتيال السادات.
- والمهم على الحكماء أن يتفكروا كيف يخرجون الدول من عنفها لرفقها.. ومن غضبها لحكمتها.. ومن غلظتها وقسوتها لرحمتها.