«قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»..
دائماً ما يأتينى، عبر مواقع التواصل الاجتماعى أو حتى فى الشارع، سؤال متكرر وملح: «كيف تكون ضد مبارك ومع السيسى؟».. فدائماً ما يُوجَّه لى هذا التساؤل من طرفين، أحدهما حسن النية يظن أن السيسى استنساخ حديث لمبارك.. والآخر سيئ النية من خبثاء يسعون لتحويل السيسى إلى مبارك جديد.. أو بالأحرى «تفليله».
و«الفلول»: هم بقايا الجيش المنكسر.. فكان هذا الاصطلاح عند العرب منذ القدم يطلق على أى شخص أو جماعة تُهزم فى معركة أو حتى خلاف بين القبائل.. فبعد معركة عين جالوت بين المسلمين والتتار، أرسل قطز القائد بيبرس لملاحقة فلول التتار لبضعة أسابيع لتطهير بلاد الشام بكاملها؛ نظراً لخطر محاولات الفلول لملمة شتاتهم.. واستعادة قواهم.. كما يسعى فلول عصرنا الآن، حيث اتخذت شبكة المصالح المسعورة (التركة القذرة لدولة مبارك) خطوات فى جمع أشلاء جسدهم فى سعى دءوب لدفع السيسى إلى أن يكون رأس هذا الجسد البغيض.. بالتطويع والاستقواء به.. أو البدء فى الحصار والتقويض له.
التطويع والاستقواء هو أن يغض السيسى الطرف ويترك الحبل على الغارب لتمرير المخطط الفلولى، لاستعادة ما كان قبل ثورة 25 يناير.. هذا المخطط الذى بدأ سريانه فيما بعد قيام ثورة 25 يناير مباشرة بتحميل الثورة كل السوءات الاقتصادية والسياسية والأمنية.. التى هى نتاج الحكم المباركى وليس الثورة التى لم تحكم، وتصديرها على أنها سبب الخراب الممنهج منهم.. ليسود شعور عام مجتمعى يتلخص فى الندم على الثورة على نظام مبارك.
وبما أن الثورة فعل إنسانى؛ ففيها بشر قد أخطأوا.. أو حتى ضعفوا وتم اتخاذهم سبيلاً لتحقيق مخططات خارجية.. فقد اتخذ الفلول من حفنة من الأشخاص، عددهم لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، مدخلاً لضرب سمعة الثورة فى مقتل.. متغافلين عن أن هؤلاء يستحيل أن يكونوا أصحاب تأثير حقيقى فى تحريك ملايين المصريين فى الـ18 يوم الأولى للثورة.. ليفاجأ الفلول برد فعل سيساوى مغاير فى نفض تراب الماضى عن الوطن.. والإعلان جهراً عن الانحياز لثورتى 25 يناير و30 يونيو.. ليس هذا فحسب.. بل تحصين سمعة الثورتين بتوجيه من السيسى للحكومة بإصدار تشريع يجرم إهانة ثورتى 25 يناير و30 يونيو.. وهو ما كان له وقع الصدمة على من كان يأمل فى زعامة السيسى لعصابات الماضى.. ليبدأوا فى تخوين السيسى ووصف تصريحاته بالانقلاب، ليدركوا أنهم لن يستطيعوا تطويعه.. ولا يمكن أن يستقووا به فى مواجهة المصريين، ليستأنفوا حفلات السرقة والنهب الجماعية ويستبيحوا مقدرات الوطن كما اعتادوا من قبل، لتبقى لديهم معركة أخيرة ومصيرية.. هى تقويض السيسى وحصاره من كل الاتجاهات؛ للحفاظ على مصالحهم، وأن يأمنوا من السيسى إذا ما حاول إخضاعهم لمصلحة الوطن التى تتعارض مع مصالحهم.. كما صرح فى البداية.. يجب أن نستدعى قوى الخير الموجودة فيهم.. حيث دعاهم مراراً وتكراراً للتبرع لصندوق «تحيا مصر».. ونبذ استدعاء الماضى.. للمضى نحو المستقبل.. إلا أن أحلام ما سبق ما زالت تداعبهم.. وقوى الشر بداخلهم قد طغت على وجدانهم.. ليتوقف السيسى عن دعوتهم للتبرع لصندوق «تحيا مصر».. ليهرعوا الآن نحو التوحد فيما بينهم والإجماع على رأس قذرة تلتحم مع جسدهم لتقودهم فى خوض معركتهم ضد السيسى إذا ما اقتضى الأمر.. وحصد أغلبية برلمانية لمجلس نواب ذى صلاحيات واسعة، لتحويل دفة المعركة من صدام بين الرئيس وشبكة المصالح الفاسدة إلى صدام بين الرئيس والبرلمان.. فالصدام بات حتمياً لا محالة بعد انتهاء الحرب الباردة الدائرة الآن.