على الرغم من مرور 4 سنوات على ثورة 25 يناير، فإن أحداً لا يستطيع تقديم إحصاء دقيق لعدد القتلى خلال 18 يوماً هى عمر الثورة. وقالت الائتلافات الثورية التى اختفت فى ظروف غامضة، إن العدد الفعلى يتجاوز 1000 قتيل، غير أن لجنة تقصى الحقائق الحكومية التى تشكّلت للتحقيق فى الأحداث انتهت إلى أن العدد الفعلى 840 قتيلاً، وهو الرقم الرسمى المعتمد لدى ما يُسمى «المجلس القومى لأسر شهداء ومصابى الثورة»، بينما قالت وزارة الصحة إن الرقم الصحيح هو 365. وضربت محكمة القرن بهذه الأرقام عرض الحائط، حين أعلنت فى حكم تبرئة «مبارك» أن عدد القتلى 239، بل إنها قدّمت تصنيفاً ذا مغزى لهؤلاء القتلى، إذ قالت إن 36 فقط قتلوا فى الميادين، والباقون أمام أقسام الشرطة والمنشآت العامة.
لم يكن قاضى محكمة القرن وحده هو الذى منح تصنيفاً للقتلى، فى إشارة صريحة إلى أن الثوار القتلى 36 فقط، والباقون قُتلوا وهم يهاجمون الأقسام والمنشآت، فالحركات الثورية نفسها اعتمدت تصنيفاً لا يقل بُغضاً عن تصنيف محكمة القرن، فمن بين القتلى والضحايا لم يهتم الثوار إلا بـ«11 من الورد اللى فتح فى جناين مصر»، هؤلاء هم الشهداء الأعلى رتبة، أما الشهداء الباقون، فإنهم الفقراء الذين لا صديق لهم يحوّل أسماءهم إلى أيقونات يذكرها التاريخ، هكذا مات الفقراء، فلم يكتب لهم أحد قصائد بأسمائهم، وتحولوا إلى مجرد أرقام صماء.
وتواصلت العنصرية فى تصنيف القتلى، خلال عهد المجلس العسكرى، وإذا كان السلفيون مثلاً لا يحبون إطلاق وصف «شهيد» على أى مسيحى قتيل، فإن الثوار أيضاً واصلوا احتفاءهم بأصدقائهم ومعارفهم، ففى عهد المجلس العسكرى، سقط نحو 438 قتيلاً، لم نعرف منهم سوى «مينا دانيال والشيخ عماد عفت وجيكا»، بينما راح 435 قتيلاً فى غياهب النسيان، لأنهم فقراء، والفقير فى نظر الثوار لا يستحق لقب «شهيد». وفى عهد الإرهابى محمد مرسى، سقط 470 قتيلاً، ولم يحتفل الثوار إلا بأسماء معدودة، منها «الحسينى أبوضيف وكريستى والجندى»، وراح الباقون إلى ربهم.
وقبل يوم واحد من الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير، قُتلت الناشطة شيماء الصباغ، وفى اليوم التالى، قُتل عدد من المدنيين خلال اشتباكات الإخوان مع الأمن، لم يظهر سوى اسم «شيماء»، بينما تحول بقية قتلى ذكرى الثورة إلى مجرد جثث فى ثلاجة المشرحة.
تلك العنصرية البغيضة، تمتد إلى شئون أخرى، فمن بين كل المحبوسين بتهمة خرق قانون التظاهر، لا يقدّم لنا الثوار سوى أسماء «علاء عبدالفتاح، وشقيقته ثناء، وأحمد ماهر، وأحمد دومة، ويارا سلام»، على الرغم من أن القضايا التى يُحاكم فيها هؤلاء تشمل نحو 320 ناشطاً آخرين، لا يعرف أحد أسماءهم. ولا أستطيع تفسير هذا السلوك الغريب، إلا بأنه استمرار لنظرية احتكار الثورة والاستشهاد، وهى نفسها النظرية التى عزلت الثوار عن الشعب، وانتهت بنا إلى ذلك المشهد المأساوى، حين كان أحدهم يحمل «شيماء» مصابة، ولا يجد أحداً يساعده فى إنقاذها.