عملية العريش الإرهابية مساء أمس الأول تؤكد أننا سنواصل سداد كلفة حماية المنطقة من خطر الانهيار، وإننا لم ندفع الثمن كاملاً حتى الآن، وهى عملية تنهى أوهام البعض بسهولة معركة مكافحة الإرهاب، أو ما يتخيله بعض السذج من أن معركة الجيش فى سيناء مجرد نزهة سرعان ما تنتهى.
الحروب النظامية الحديثة لا تزيد مدتها على أيام، وهى تنتهى إما باستسلام طرف أو اتفاق الطرفين على التوقف بعد عجز أحدهما عن التغلب على الآخر، أما حروب مكافحة الإرهاب فهى أشبه بمن يحارب الشياطين، وهى لا تنتهى إلا بقضاء طرف على الآخر قضاء مبرماً، فالإرهابى كما المرتزق لا بديل له سوى الفوز أو الموت لذا لا يقبل بالتوافقات والتفاهمات، ولم يحدثنا التاريخ عن فوز الإرهاب.
كتبت فى هذا المكان تحت عنوان «3 رسائل من الرئيس مرسى» بعد أربعين يوماً على توليه منصبه وتحديداً فى 9 أغسطس 2012.. أن العدوان الذى تعرض له جنودنا فى رفح فى أول أيام رمضان وقتها «جرس إنذار سيكون الثمن فادحاً ومؤلماً إذا لم نلتفت لمعانيه»، وأوضحت أن سياسات الأخونة تستهدف «تحويل مصر لجزء من الصراعات الدينية السياسية المتطرفة، التى أخشى أن تكون هدفاً غربياً جوهرياً فى المرحلة المقبلة» وانتهت المقالة إلى التحذير «انتبهوا إلى مستنقع سيناء فهو ألعن من مستنقع اليمن».
فى خلال عامين فقط كانت عملية تجهيز مسرح العمليات على قدم وساق، منذ يناير 2011 وحتى سيطرة الإخوان على مقاليد الأمور وتحت مسئوليتهم تم إعداد جبهة القتال وتهريب السلاح والمؤن واستعادة من هرب منهم للخارج وإطلاق من حوكم قضائياً وأدين، كلها كانت خطوات تمهد لإعلان الحرب على الشعب المصرى وتفجير موجة الإرهاب الجديدة إذا ما قرر الشعب المصرى إسقاطهم.
ما حدث فى العريش يؤكد من ضمن دلالاته أن العمليات العسكرية فى سيناء وغيرها من المدن المصرية ضد الإرهاب ناجعة، وأن اللجوء للعمليات الانتحارية دليل يأس وإحباط، صحيح أن الثمن غال ولكن من قال إن مقاومة الإرهاب نزهة أو إن الإرهابيين سوف يستسلمون دون مقاومة؟
ولكن هل يهزم الإرهاب بالأمن فقط؟ جميعنا نعلم الإجابة.. لكن بعضنا يصم الآذان ويدير ظهره وهو لا يعلم أن التاريخ لا يرحم.. ولن يغفر التاريخ للنخبة أو لقطاع منها هذه الاستهانة البادية فى إظهار موقف حقيقى وعملى وداعم فى مكافحة الإرهاب، يتجاوز اللحظة والحدث والمظهر، ويندفع إلى الجوهر والمضمون المطلوب تطويره.
بصراحة وببساطة هل يجوز لنا أن نواصل إدارة الصراع السياسى والاقتصادى والاجتماعى فى هذه اللحظة الحاسمة بذات الأساليب والأدوات التى اعتدناها فى ظل أوضاع مغايرة ومناقضة لما نحن عليه الآن؟ وهل يصلح أن نستخدم فى الظروف الاستثنائية ذات أدوات ومفاهيم الظروف الطبيعية؟
الظروف الاستثنائية ليست بالقطع مكافحة الإرهاب فقط، وإنما هى مجمل الأوضاع الإقليمية المحيطة شرقاً وغرباً، والحالة الاقتصادية والاجتماعية للأمة، واللحظة التاريخية للدولة، وطبيعة العدو الذى نواجهه، والمتطلبات الواجبة لدحر العدو والحفاظ على الدولة.
بلا دولة فلا صراع.. ومن يحلم بنظام أيديولوجى ما يسارى أو ليبرالى لن يتمكن من تحقيقه إذا لم يكن يحيا على أرض تضمها دولة.
الحرب على الإرهاب طويلة وسينتصر فيها الشعب ولن يغفر وقتها لمن اختار مصلحته الأيديولوجية والسياسية على حساب الدولة.