في حواره مع المذيع التليفزيوني الأشهر حاليًا " تاكر كارلسون" أشار الخبير العسكري الأمريكي " دوجلاس ماكجريجور " ، إلى تعرض مصر لضغوط كبيرة من قبل الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي، لدخول الجيش المصري على خط المواجهة في الحرب على غزة، وقال "ماكجريجور " : ربما يضطر المصريون إلى ذلك، وحذر بلاده وإسرائيل من هذه الاحتمالية المروعة .. حسب وصفه .المؤكد أن موقف مصر منذ بداية العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة أكد ثوابت الدولة شعبًا وقيادة، ومن بينها عدم تصفية القضية الفلسطينية بالتهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج أراضيه، وهو ما كشفه الرئيس السيسي منذ اللحظة الأولى بمنتهى القوة والوضوح دون مواربة، وأكده خلال " قمة القاهرة الدولية للسلام "، مثلما أكد - بلسان مبين - عدم حل القضية على حساب مصر في كل الأحوال، ردًا على مخطط إسرائيل المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، وقوى عالمية أخرى، بتهجير أهالي غزة وتوطينهم في سيناء، بعد قطع كل سبل الحياة عنهم في القطاع .مصر تخوض منذ بداية الأزمة معركة دبلوماسية محتدمة على كافة المحاور، وفي خلفية المشهد ما أشار إليه " دوجلاس ماكجريجور"، من ضغوط الرأي العام في العالمين العربي والإسلامي، ويبقى السؤال .. هل يمكن أن تدخل مصر على خط المواجهة العسكرية المباشرة في هذه الأزمة ؟ قبل البحث والاجتهاد للإجابة عن السؤال ، لابد من الإشارة أولًا إلى ما يتم تعريفه في أدبيات العلاقات الدولية بـ «الارتباط الانتقائى»، أى انتقاء القضايا المرتبطة مباشرة بالمصلحة الوطنية، وتركيز الاهتمام عليها، وإعطاؤها الأولوية، وهذا ما تدركه مصر جيداً، ويبلوره الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ توليه مسئولية قيادة البلاد، وبحكم المواقع التى تولاها من قبل، فهو يعرف الواقع جيداً، اعتماداً على المعلومات التى تتيح له اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، ولا يعتمد في إدارته شئون الدولة على ما يفرزه الواقع الافتراضي المحمل بدردشات المتصفحين عبر شبكة الإنترنت، لكنه يسعى بوعى تام لتفكيك وحل مشكلات مزمنة محلية وإقليمية، وعلى رأسها بطبيعة الحال القضية الفلسطينية. ويظل ما أشار إليها "ماكجريجور" حول احتمالية دخول مصر على خط المواجهة العسكرية المباشرة قائمًا، وربما بنى رأيه على ما شاهده العالم كله قبل أيام، عندما تفقد الرئيس السيسي إجراءات تفتيش حرب الفرقة الرابعة المدرعة بالجيش الثالث الميداني، ضمن مجموعة من الخطوات التي تنتهجها الدولة المصرية، تفاعلًا مع تصاعد الأحداث في غزة، على حدودنا الشرقية مباشرة. أعادت مصر في عهد الرئيس السيسي ترتيب علاقاتها الخارجية مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية، وهو - الرئيس - لم يضبط ساعته على توقيت أي من عواصم صنع القرار في العالم، من واشنطن لموسكو، مرورًا بلندن وبرلين وباريس وغيرها. ساعة السيسي مضبوطة بتوقيت القاهرة وفقط، وقد يراعي أحيانًا فروق التوقيت في العواصم الأخرى، لكنه لا يتحرك إلا بتوقيت القاهرة. والشعب المصري واثق في قدرة الرئيس على اتخاذ القرار فى الوقت المناسب، ويوماً بعد يوم تتأكد هذه الثقة، وهم يرونه يعيد بناء الدولة يبدو وكأنه يواجه «سيزيف»، أحد أكثر الشخصيات مكراً - حسب الأسطورة الإغريقية - حيث استطاع أن يخدع إله الموت «ثاناتوس»، مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمزاً للعذاب الأبدي، والسيسي لا يتحرك في الفراغ، أو من فراغ إلى فراغ، لكنه يتحرك كقائد لديه من قوة الإقناع وقوة الشخصية ما يمكّنه من تجاوز قدرات الزعماء العاديين لتحقيق نصر ما فى ظروف بالغة التعقيد، وسط تشابكات محلية وعالمية لا يتخيل أحد إمكانية فك طلاسمها. ولأن ساعة الرئيس عبدالفتاح السيسي بتوقيت القاهرة، فهو يخوض منذ البداية معركة تحرير الإرادة المصرية، وتأكيد استقلالية القرار المصري، ومنذ كان وزيراً للدفاع، وقبل توليه رئاسة البلاد، انحاز كقائد عام للقوات المسلحة للشعب المصري الثائر ضد حكم الإخوان، رغم أنف إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، الداعم الرئيسي لوصول الجماعة الإرهابية إلى الحكم، وبعدها مباشرة بطلبه التفويض الشعبي لمكافحة الإرهاب المدعوم ماليًا ولوجستيًا وإعلاميًا من قوى إقليمية دولية متعددة، ولا ينسى أحد كيف ابتزّنا الغرب بتقارير منظماته المشبوهة، مثل منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأمريكية عن حقوق الإنسان فى مصر، وجاء السيسي بإرادة حديدية لا تخضع للابتزاز، وتصدّت الدولة المصرية لفضح تلك المنظمات، التي هي مجرد واجهات للضغط على حكومات الدول، وكارت إرهاب أمريكي يستخدم عند الحاجة. وعلى صعيد آخر، واتساقاً مع حجم ودور مصر الدولي والإقليمي، شهد العالم أجمع كيف عبّأنا الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس، وكيف انتقدت مصر انسحاب الولايات المتحدة من منظمتي " اليونيسكو " و"الأنروا " لمجرد اختلاف سياسة المنظمتين فى فلسطين المحتلة عن السياسة الأمريكية . قلتها قبل سنوات .. السيسي صباعه مش تحت ضرس حد، ومش محتاج مساندة خارجية لدعمه فى الداخل، وسنده الوحيد إرادة شعبه، والأهم من كل ذلك أن ساعته بتوقيت القاهرة، ومن يفهم معنى ذلك لن يرهق عقله في قراءة الموقف المصري مع كل حدث جديد في المنطقة.