«مشاية» كانت تساعدها على المشى تقاوم بها مرض «الروماتويد» الذى تمكن منها منذ سنوات، «محفظة» داخلها أوراق قديمة و«كروت» كانت تأتيها فى عيد الأم ملونة بكلمات «كل سنة وانتى أحلى أم فى الدنيا»، «طرحة» هى الأقرب إلى قلبها ما زالت معلقة على واجهة سريرها الذى أعتبره ميراثى الشرعى بعد أن أصبحت أهرب إليه ليلاً لأنام على رائحتها التى لم تفارقه، أشياء وذكريات تركتها خلفها ورحلت، رحلت إلى عالم يصعب تخيله رغم المحاولات المستمرة لكشف ولو جزء من خباياه، ولكنى على ثقة أنه أجمل كثيراً مما نعيش به الآن، رحلت بجسدها ولكنها أبداً لن ترحل يوماً عن كل تفاصيل حياتى التى تشاركنى بها، أو على أقل تقدير تشعرنى بذلك.
«العمود» «انتى عمود البيت»، كلمة كنا دايماً نقولها، كنت دايماً حاسة إن الموت بعيد عنها، رغم تملك الأمراض من معظم أنحاء جسدها، لما فكرة إنها ممكن متكونش موجودة بتجيلى كنت بقول لنفسى أكيد ده مش هيحصل، كان عندى يقين إنها «جبل» تقدر تقاوم أى حاجة طبعاً إلا الموت، لكن عمرى ما كنت بقدر أتخيل ده! أمى كانت قوية، قدرت تربى رجلين وبنت بـ«ميت راجل»، لوحدها، بعد انفصالها عن أبويا «الله يرحمه» من زمان، حتى فى أخر أيامها فى المستشفى كنت على يقين إنها هتقوم، كانت بتقاوم بكل ما فيها، ولكن مناعتها فى المقاومة تلاشت مع قدوم ملك الموت إليها!
«الحقيقة» تختلف البشرية على كل شىء وتتفق على حقيقة واحدة هى «الموت»، بالتأكيد أتفق معهم، ولكن عقلى لا يستوعبها حتى الآن، تحديداً مع أمى، لما أسافر وأرجع بدخل أدوّر عليها، مش بلاقيها آه، بس بحس إنها موجودة، بغلط كتير وأنا بدعيلها فى الصلاة «اللهم اشفى أمى» قبل أن أعود وأقول «قصدى اللهم ارحمها»، ممكن أكون مش قادرة أستوعب، أو مش عايزة، بس فى الآخر ده شعور بيصبرنى، ورغم وجود إخواتى وخطيبى وبعض أصدقائى اللى ربنا كرمنى بيهم، ومحاولاتهم لاحتوائى دائماً، لكن يظل شعورى بوجود أمى بجانبى هو الأهم بالنسبة لى، رغبتى الملحة فى إنى أشرفها وأكون «ولد صالح يدعو له» بقى هدفى فى الحياة، أصبح عندى يقين أنها تنتظرنى فى عالم أفضل، سأحتضنها به يوماً ما!
«الأم المثالية.. مش هتقدمولى فى مسابقة الأم المثالية؟» جملة دائماً كانت تمازحنا بها، ولكن الحقيقة التى لا تعرفها أنها تخطت مرحلة «المثالية» لتصل لمرحلة لا أجد وصفاً لها، من ناحية أعتبر المقال تكريماً لها مع اقتراب عيد ميلادها بعد عشرة أيام، الذى يمر علينا فى المنزل كأحد أطول أيام السنة على الإطلاق، وأعتبره نصيحة من ناحية أخرى، لكل من يملك أماً، متزعلهاش، اقعد معاها، بوس إيديها، استمتع بدعوتها ليك، متخليش الدنيا تسرقك منها قبل ما هى تتسرق منك، احضنها، فيه حاجات كتير مش بنحس بيها غير لما متبقاش موجودة، أو يمكن بنكون حاسين بيها بس مش بنعرف نعبر عن ده فى وجودها، وجود الأم فى الحياة نعمة، لا يعرف قيمتها سوى من حُرِم منها، أمى.. ستكونين دوماً «الأم المثالية»، لن ترحلى أبداً، بحبك.