ستظل العمليات الإرهابية تتكرر بالطريقة نفسها، وفى ذات الأماكن وربما بالأشخاص أنفسهم (الهجوم على قسم ثالث العريش نموذجاً)، طالما ظلت قوات الأمن لدينا تؤدى بالرؤى نفسها والنظريات القديمة، دون وعى بمستجدات الأوضاع خلال السنوات الأخيرة. وأقصد بقوى الأمن هنا كلاً من الجيش والشرطة. الجيش يتحرك فى شوارع مصر بمنطق أن الشعب المصرى كله يحبه ويرفض فكرة الاعتداء على أفراده. هذا الكلام صحيح فى جانب، وعليه تحفظ فى جانب آخر. حقيقى أن أغلب المصريين يرتبطون بجيشهم الذى يشكل فى الأول والأخير جزءاً لا يتجزأ منهم، فما من بيت فى مصر إلا وفيه فرد فى القوات المسلحة، لكن فى مقابل غالبية المصريين التى تحتفظ للجيش بمكانة رفيعة فى النفس والعقل، هناك فئة لديها مآخذ على أداء الجيش فى معترك الحياة السياسية بعد ثورة يناير 2011، وهناك فئة نعلمها جميعاً لها خصومة مع المؤسسة العسكرية، ولا أريد أن أقول عداءً، لأنه لا يوجد مواطن طبيعى يمكن أن يعادى جيش بلاده، مهما حدث، هذه الخصومة أخذت خلال الأشهر الأخيرة شكل قضايا الثأر التى يشهدها الصعيد المصرى، والتى تدفع أبناء العائلة الواحدة فى بعض الأحيان إلى سفك دماء بعضهم بعضاً، على الجيش ألا يتكل على فكرة الحب التاريخى الذى يحظى به من جانب المصريين، لأن ماء كثيراً جرى فى النهر خلال الأشهر الأخيرة، ولست بحاجة إلى التفصيل أكثر من ذلك!.
تعالَ بعد ذلك إلى المؤسسة الشرطية، وسوف ترى ما هو أعجب، فقد ظل ضباط وأفراد الشرطة يعتمدون لعقود طويلة فى السيطرة على المصريين على فكرة «الخوف التاريخى للمواطن المصرى من الشرطة»، فعبر تداول العديد من الروايات والقصص الإعلامية عما تقوم به الشرطة فى الأقسام والشوارع بشتى أنحاء مصر، نشأ لدى المواطن إحساس بالخوف الدائم من الاقتراب من رجال الشرطة، وكان أشق المشاوير على نفس الكثيرين أن تفرض عليهم الظروف الذهاب إلى قسم الشرطة. نظرية «الخوف من بطش الشرطة» كوسيلة للسيطرة على المواطنين كانت تعمل بمنتهى الكفاءة قبل ثورة يناير، لكن الأمر اختلف بعدها، بل قل إن ثورة يناير قامت بالأساس مدفوعة بحالة غضب عارم على الشرطة، التى كانت تشكل الأداة القمعية لنظام «المخلوع». هذه النظرية قديمة للغاية، فقد أصبحت ذراع الكثيرين طويلة، تماماً مثل ذراع الشرطة، وقد دعم من محنة هذا الجهاز أنه لا يحظى بالمحبة نفسها التى تتمتع بها المؤسسة العسكرية فى قلوب الكثيرين، وقد لا نبالغ إذا قلنا إن أغلبية المصريين ما زالت تختزن مشاعر غضب للشرطة، والعجيب أن المواطنين المنخرطين فى المؤسسة العسكرية نفسها لم يفلتوا من هذا الإحساس، وليس أدل على ذلك من تلك الخناقات التى تحدث بين الحين والآخر بين رجال شرطة ورجال جيش، ويهرول فيها كل طرف إلى الاستقواء بالمؤسسة التى ينتمى إليها. إذا كان ذلك هو حال المؤسستين فى علاقتهما ببعضهما بعضاً، فما بالك بالمواطن، نعم الغالبية تتراجع فى أية مشاحنات مع أى منهما، سواء بدافع الحب أو بدافع الخوف، لكن الجديد أن ثمة قطاعاً أصبحت له أنياب يهدد بها. وذلك ما يجب أن يتفهمه من يقفون فى مواجهة الإرهاب.