قلنا فى المقال السابق إن الحجاب فريضة الإسلام السياسى، به يجهز المجال للانقضاض على الحكم على أنه رغبة العباد. ولم يكن لعفة بدليل أنه أبقى على الإماء كاشفات الصدور. واليوم نتحدث عن الزينة المطلوب إخفاؤها بالحجاب.. ونستفتح بالذى هو خير.
فى كتاب البخارى حديث 193 «حدثنا عبدالله بن يوسف عن مالك بن نافع عن عبدالله بن عمر قال: كان الرجال والنساء يتوضأون فى زمان رسول الله جميعاً». وعن أبوداوود وابن ماجه، وفى مسند أحمد بن حنبل عن عبدالله بن عمر: «كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد ندلى فيه أيدينا». بعض العلماء قالوا: إن الرجال كانوا يتوضأون فى إناء ثم يأتى النساء يتوضأن فى الإناء ذاته. ابن حجر يقول إن كلمة «جميعاً» تعارض ذلك الافتراق. وقال البعض منهم: كان يتم ذلك قبل نزول آية الحجاب. وأرد عليهم بأن «فى زمن رسول الله» مدته على إطلاق عمره (صلى الله عليه وسلم). وقال البعض منهم: إن المراد بالنساء والرجال، المحارم، ولذلك بوّبها البخارى فى باب «وضوء الرجل مع امرأته» وأقول: ليست العبرة بالتبويب، لكن العبرة باللفظ، لو كانت محارم الرجال، كان القول الأسلم «كنا نتوضأ ونساؤنا» وليس «كنا نتوضأ والنساء» على وجه المطلق. ويستشهدون أيضاً بنهى عمر بن الخطاب عن وضوء الرجال مع النساء، وأمرهم أن يجعلوا للرجال حياضاً وللنساء حياضاً، لكنه دليل فى صالح ما نقول، لأن اجتماع الرجال والنساء للوضوء معاً قبل النهى دليل على أن هذا كان مسموحاً به زمن الرسول، وإلا لما أقدموا عليه. ونهى عمر ليس جديداً، فلقد نهى عن أحكام كان معمولاً بها فى عهد الرسول (تحريم زواج المتعة، وزكاة المؤلفة قلوبهم). هذه الأولى. أما الثانية، أورد الإمام أحمد بن حنبل فِى مسنده: «حَدَّثَنَا بْنُ مَهْدِىٍّ (وعن كثير حتى) حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ سَرْجٍ، سَمِعْتُ أُمَّ صُبَيَّةَ الْجُهَنِيَّةَ، تَقُولُ: اخْتَلَفَتْ يَدِى وَيَدُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْوُضُوءِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ (ليست من زوجات النبى أو محارمه). ونتساءل: ما هو المكشوف عند الوضوء من الرجال والنساء لصحته؟ اليدان حتى المرفقين، والأذنان والشعر والقدمان وما يظهر عن غير قصد عند الوضوء. هذه الثانية، أما عن الثالثة وهى ألآية (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ). نقول إن «لايبدين زينتهن إلا ماظهر منها» هذا استثناء لظهور زينة للمرأة «إلا ما ظهر منها»، بمعنى أن هناك زينة من الأصل تظهر من المرأة، فما هى؟ لا نستطيع فى كتب الفقه أو القرآن أن نحدد الفرق بين الزينة الظاهرة والزينة الخفية (ليس هناك زينة ثالثة)، لكن النهى هنا يجعلها تقارب الزينة التى تبدو بها المرأة أمام زوجها ومحارمها وهى غير الزينة الظاهرة أمام الناس، وهى الزينة التى أجازها القرآن عند المساجد (يَا بَنِى آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). عندما يتكلم القرآن هنا عن إخفاء الزينة يقصد بها الزينة الخفية، وهى حق الرجل والمحارم وليس الوجه والشعر، والدليل «أو ما ملكت أيمانهن» يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيات «أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال» الذين ليس لهم شهوة على الإطلاق أو لديهم لكن لا مطلب لهم من النساء. ويكون التحريم والحجب هو ما يحق للزوج والمحارم وما ملكت أيمانهم للضرورة. وإلا إذا كانت الزينة واحدة لماذا يمنعها من الظهور بها أمام المحارم، ويجيز فى نفس الوقت أن تأخذ زينتها عند كل مسجد وتظهر بها أمام الغرباء والناس أجمعين. الحكم والتحريم خاص بالزينة الخفية، أما الزينة الظاهرة فليس لها حكم ويكون الأصل لها الإباحة. أما واقعة سودة بنت زمعة (خرجت لقضاء حاجتها وكانت طويلة فناداها عمر: عرفتك يا سودة) حرصاً منه على أن تنزل آية الحجاب. قالت عائشة: ونزلت آية الحجاب. وكان عمر يطلب من الرسول (حجب نسائه) ليس لى رد سوى أن عقلى لا يقبل الحادثة برمتها، فهى تميل إلى إكبار عمر، وأن الله يستجيب لمطلبه كما قالوا، فليس لعمر وصاية حين يُطلب يستجاب له. وإذا قبلها البعض من مشايخنا يكون التشريع مطلب الصحاب وليس تشريعاً إلهياً.
وما رأيكم، دام فضلكم، فيمن أجاز للنساء ارتداء الباروكة لحجب الشعر وأحل لها ذلك، وفى الغالب الأعم الباروكة أجمل من الشعر الأصلى وأكثر إثارة للرجال بألوانها الزاهية المثيرة.
المفكر الإسلامى الدكتور عبدالصبور شاهين وغيره من العلماء أجازوا للمراة أن تضع الشعر المستعار «الباروكة» على رأسها باعتباره نوعاً من الحجاب، لأنها تقوم بوظيفة ستر الشعر الذى يحرم إظهاره وتقوم مقام الحجاب. ويزيد أن مسألة وصل الشعر للحديث النبوى «لعن الله الواصلة والمستوصلة» ليس المقصود واصلة الشعر كما فسرها الفقهاء، وإنما المقصود من تقود غيرها من النساء إلى مكان ارتكاب الفاحشة (قوادة). والآن أقولها: الحجاب مظهر للإسلام السياسى يعطى بها رسالة ويقول: نحن هنا ولنا السيطرة على عقول العباد، وليس لعفة، أو لإخفاء زينة المرأة كما أسلفنا.