«ثبّت جذورك فى التراب فأنت باقٍ هاهنا.. الأرض أرضك يا فتى هذه البلاد بلادنا.. هم جهلةٌ لا يعلمون بأن وطنك خالدٌ.. فاصمد ورابط واحتسب إنّا وراءك كلنا.. كم من شهيد قدموا أرواحهم من أجل تحقيق اليقين.. يا صاحب الأرض اعتصم فالأرض عرض المتقين»..
بهذه الكلمات وصوت أصالة ولحن فلكلورى فلسطينى.. تفتح الشركة المتحدة بوابة جديدة فى النصف الثانى من شهر رمضان على عالم «مليحة»؛ الفتاة الفلسطينية التى تبتعد عن أرضها عقب أحداث انتفاضة عام 2000.. تستقر الأسرة بأرض ليبيا.. ولكن أنفاسهم وأرواحهم لا تزال معلقة بين أغصان الزيتون.. ربما تقرر المليحة العودة لأرضها.. مثل ملايين الفلسطينيين الذين أجبرهم الاحتلال والعدوان على النزوح ومغادرة أرضهم.. ولكنهم حتماً سيعودون فى يوم ما كما تشدو أصالة «الأرض أرضك يا فتى.. هذه البلاد بلادنا».
نحن هنا لا نحتفى بعمل لا تزال حلقاته الأولى تُعرض.. ولكننا نحتفل بفكرة وتحدٍّ كبير أقدمت عليه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بعد قرارها بتقديم عمل عن القضية الفلسطينية خلال موسم دراما رمضان 2024.. وهى الفكرة التى بدأت شركة ds فى تنفيذها قبل شهر رمضان بثلاثة أشهر فقط.. لم يكن وقتها هناك نص مكتوب بعد.. ولكن التحدى والإيمان بالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى كان أكبر دافع فى أن يجتهد كل صناع العمل ليلحقوا بالعرض الرمضانى.. وبينما أكتب هذه السطور لا يزال فريق عمل المسلسل يسابق الزمن من أجل الانتهاء من باقى حلقات المسلسل وتسليمها للعرض.. فالدراما ليست النجوم والممثلين الذين نتابعهم على شاشة العرض فقط.. فهناك خلف الكاميرات مئات الأشخاص الذين ينتمون لصناعة يعرفون قيمتها جيداً وحجم التحدى الكبير الذى يقع عليهم لتستمر مصر صاحبة الريادة لهذا الفن العظيم.
وفى الحقيقة لو أن أى كيان إعلامى أو دولة شقيقة كانت هى صاحبة فكرة عرض مسلسل فلسطينى فى موسم دراما رمضان.. لكانت مواقع التواصل الاجتماعى ضجت بملايين التغريدات والمنشورات التى تدعم الفكرة وتحيّى الصُّنّاع وتترحم على الفن المصرى العظيم.. الذى لم يعد كما كان وتفرغ لتقديم مسلسلات عديمة الفائدة والقيمة.. ولكن لأن مصر هى صاحبة المشروع، وإعلامها هو صاحب القرار، والشركة المتحدة هى الداعم والمنفذ للمشروع.. يصبح مشروع مسلسل «مليحة» مشروعاً عادياً.. لا يستحق الحديث عنه أو حتى الإشارة إليه.. وربما قررت بعض لجان المرتزقة مهاجمة المسلسل لعدم تصوير أحداثه داخل قطاع غزة!! فهذا للأسف منطق قطيع الخراف وأتباعهم.
نحن أمام عمل يكتسب أهميته أولاً من اختيار توقيت عرضه.. فهذا الوقت تحديداً الذى تستمر فيه غارات العدوان على قطاع غزة.. وكأن مصر تقول للعالم لن نكتفى بدعم الشعب الفلسطينى سياسياً أو إعلامياً بكشف كَمّ الجرائم التى تُرتكب داخل قطاع غزة.. بل أيضاً سنوثق هذه الجرائم وكل هذا الكم من الكراهية فى عمل فنى يعيش مئات السنين.. وسنفتح الباب أمام الجميع ليسير خلفنا وتصبح القضية الفلسطينية ضيفاً دائماً على جميع الفضائيات العربية خلال شهر رمضان.. من هنا تأتى أهمية هذا العمل وقيمته الكبيرة التى لن يراها سوى من يعرف قيمة وقدر هذا البلد العظيم؛ مصر.
نحن أمام عمل اجتهدت فيه الكاتبة رشا الجزار للربط بين القضية الفلسطينية ومليحة، التى ترمز إليها، وبين ما يقوم به الجيش المصرى من تضحيات لتأمين حدود الوطن والدفاع عن القضية.. فمليحة لم تجد سنداً لها فى رحلة العودة سوى يد ضابط الجيش المصرى الذى يساعدها للعودة مرة أخرى لأرضها..
وأعتقد أن اعتماد العمل على العديد من الوجوه العربية وفى مقدمتهم الفلسطينية سيرين خاس بالإضافة لمبدعين آخرين من لبنان وسوريا والأردن وتونس بجانب المبدعين المصريين من ممثلين وصناع العمل يرسل رسالة قوية بأن مصر ستظل المركز الثقافى والتنويرى الأهم فى الشرق الأوسط الذى يحتضن كل المبدعين العرب..
أما عما فعله مسلسل مليحة داخل المجتمع الإسرائيلى، فيكفينا أن نقرأ ما رصدته الكاتبة الصحفية الأميرة رشا على صفحات جريدة «الوطن»، وقالت فيه:
(قدمت القناة الإسرائيلية «كان 11» تقريراً عن ذات المسلسل «مليحة»، حيث يرى الصحفى روعى كاتس أن المصريين هذا العام فى ظل الحرب على غزة، قرروا بالفعل فى الأسابيع الأخيرة تقديم مسلسل خاص يؤيد القضية الفلسطينية والذى اعتبره أحد ضيوف الحلقة النقاشية أنه يعود بهم إلى سنوات السبعينات، فى إشارة إلى موقف مصر من إسرائيل فى تلك الفترة. لا يبدو غريباً اهتمام الداخل الإسرائيلى وإعلامه بما يدور من تفاصيل دقيقة فى الداخل المصرى، فالصحف والمواقع الإسرائيلية ترصد بشكل يومى المشروعات الضخمة للدولة المصرية وتحللها، وتدرس آثارها على مستقبل الحياة فى مصر. ومن ذلك ما طالعنا به الإعلام الإسرائيلى فى حديثه عن مسلسلات رمضان والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لتنضم كصرح كبير وقيمة مهمة إلى قوة مصر المؤثرة فى أعين الإسرائيليين.
وسيلاحظ المتابع للإعلام الإسرائيلى أن نفوذ الشركة المتحدة امتد تأثيره إلى الإسرائيليين، حتى إن مسلسلاً واحداً أصبح حديث وسائل الإعلام عندهم وهم ينتقدون سياقات العمل الدرامى فيه، بشكل يبدو فيه الداخل الإسرائيلى مترقباً لكل ما تنتجه «المتحدة» من مسلسلات أو تقارير إعلامية أو حتى أغنيات)
هذا ما صنعته الشركة المتحدة لمصر وما صنعه ويصنعه الإعلام المصرى عبر سنوات ممتدة من نشر الثقافة والتنوير والخوف أحياناً فى قلوب العدو.. فـ«مليحة» باختصار هدية أصحاب كلمة الشرف إلى أصحاب الأرض الحقيقيين.