القراءة المتأنية لقرار الحكومة البريطانية الصادر منتصف مارس الجارى، بوضع الرابطة الإسلامية (الفرع البريطانى لجماعة الإخوان)، وجماعات أخرى على رأس قائمة التطرف، تشير إلى أنه مجرد «قرصة ودن» للجماعة الإرهابية، ولا يمكن اعتباره موقفاً جاداً، ولن تخضع الجماعات التى سيتم تحديدها على أنها متطرفة، بعد التقييم وفقاً لمقاييس التعريف الحكومى البريطانى الجديد للتطرف، لأى إجراء بموجب القوانين الجنائية، وسيظل مسموحاً لها بتنظيم المظاهرات، ولكن الحكومة لن تقدم لها أى تمويل.
و«قرصة الودن» هذه ليست إلا ضربة على يد الجماعة (الإرهابية) لمخالفتها قواعد اللعبة بينها والإنجليز، وقيامها بالتظاهر فى العاصمة البريطانية «لندن» ومدن أخرى، تضامناً مع حركة «حماس» التى تضعها بريطانيا ضمن 80 منظمة دولية محظورة، وضد العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة.
وحسبما قال «مايكل جوف»، وزير المجتمعات المحلية البريطانى: «إن الانتشار الشامل للأيديولوجيات المتطرفة يتضح أكثر فأكثر بعد هجمات 7 أكتوبر، ويشكل خطراً حقيقياً على أمن مواطنينا وديمقراطيتنا».ووفقاً للتعريف الجديد للتطرف هناك، سيؤدى إدراج بعض المنظمات على القائمة السوداء، إلى حرمانها من الأموال العامة.
وهذا التعريف الجديد ينصّ على أن التطرف «هو ترويج أو تعزيز أيديولوجية تقوم على العنف أو الكراهية أو التعصّب، وتهدف إلى تدمير الحقوق والحريات الأساسية، أو تقويض أو استبدال الديمقراطية البرلمانية الليبرالية فى بريطانيا، أو خلق بيئة للآخرين عن عمد لتحقيق تلك النتائج».المؤكد أن بريطانيا لا ترغب فى القضاء على جماعة الإخوان نهائياً، ولا تنتوى ذلك فى المستقبل، وقد أسهمت فى تأسيسها قبل أكثر من 95 عاماً فى مصر، وساعدت مرشدها الأول حسن البنا، على الإطاحة بالشيخ أحمد السكرى، مؤسس «جمعية الإخوان المسلمين» الخيرية، وتغيير اسمها إلى جماعة «الإخوان المسلمين» ككيان سياسى، للقيام بدورها «الوظيفى» المرسوم لها، فى مواجهة التنظيمات اليسارية والقومية المضادة لتحالف الملك مع قوى الاستعمار الإنجليزى.
وفى سنوات الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، ركز الاستعمار البريطانى على تعزيز ودعم نشاط جماعة الإخوان، وهذا ما أكده كبار الإخوان ممن اختلفوا مع حسن البنا آنذاك، مثل أحمد شاكر وعلى عشماوى، وكشفوا أن السفارة البريطانية فى القاهرة -بعلم الملك- كانت تمول وتساند نشاط الجماعة.
العلاقة التاريخية بين جماعة الإخوان الإرهابية وبريطانيا بشكل خاص، أساسها براجماتى، وتحقيق المصالح المشتركة لكلٍّ من الطرفين، وهو منهج الجماعة فى علاقتها بكل النظم السياسية فى كل دول العالم بشكل عام، لذلك ليس من السهل حدوث ما لا يمكن تصوره، بتخلى الحكومة البريطانية عن دعم الإخوان، وهى التى تقوم حتى الآن باستضافة عناصر الجماعة التى غادرت تركيا، بعد التطورات الإيجابية الأخيرة فى علاقاتها بمصر، وكذلك استضافة منصات التنظيم الإعلامية بدلاً عن إسطنبول.وللحديث بقية.