ربما لا يوجد حاكم فى العالم، من الملوك إلى رؤساء الدول والحكومات، إلا وحذَّر من خطورة الهجوم الإسرائيلى المتوقع على رفح الفلسطينية! وهكذا فعلت كل منظمات العالم.. الأمم المتحدة حذرت وعلى لسان أمينها العام.. الولايات المتحدة، أقرب وأقوى حلفاء إسرائيل، رفضت وحذرت حتى لو تحفظنا على طريقتها فى ذلك.. فرنسا على لسان الرئيس ماكرون، والرئيس الإيطالى سيرجيو ماتاريلا، وعدنان أبوحسنة المتحدث باسم الأونروا فى رفح، وزير الخارجية البريطانى السابق وليام هيج، بوريل مسئول السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، العاهل الأردنى الملك عبدالله، وكل الدول العربية والقادة العرب، وكذلك قادة أمريكا اللاتينية وآسيا وباقى دول العالم.
أما مصر فتحتل الرصيد الأكبر من التحذير على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكذلك كافة المؤسسات المصرية المعنية بالملف الفلسطينى، من رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى إلى سامح شكرى وزير الخارجية، إلى الهيئة العامة للاستعلامات وغير ذلك.. الاعتراض المصرى بلغ حد إصدار بيانات رسمية، كما حدث -مثلاً- فى السابع عشر من مارس الماضى، وبعد إدانة قوية للمجازر الصهيونية فى أكثر من فقرة من البيان.. جاءت فقرة التحذير حرفياً فيما يلى، نعيدها إنعاشاً للذاكرة الشعبية، حيث جاء: ««كما جددت مصر التحذير من مخاطر القيام بأى عملية عسكرية فى مدينة رفح لعواقبها الإنسانية الوخيمة التى ستلحق بالمدنيين الفلسطينيين الذين لجأوا إلى رفح باعتبارها الملاذ الآمن الأخير داخل القطاع، معتبرة أن الإقدام على هذا الإجراء، رغم التحذيرات والرفض الدولى له، يعكس عدم الاكتراث بأرواح المدنيين الأبرياء ويُعد مخالفةً جسيمةً للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى».
عند الهجوم على رفح نقف أمام موقفين.. المجتمع الدولى كله، بما فيه مواقف من داخل كيان الاحتلال فى جانب، ونتنياهو وحكومة المتطرفين فى جانب آخر.. المجتمع الدولى يدرك معنى هجوم بالأسلحة الثقيلة والمحرمة دولياً على بلدة صغيرة لا تزيد مساحتها، بمحيطها كله من قرى وتوابع فى أكبر التقديرات، عن الـ٦٠ كيلومتراً!! يعيش عليها أكثر من مليون ونصف المليون مواطن، ولنا أن نتخيل حجم الخسائر البشرية التى يمكن أن تحدث لو ألقيت حجارة فقط -حجارة فقط- على هذه الكتل البشرية الهائلة، فما بالنا بالصواريخ والمدافع والطائرات!!
على الجانب الآخر تحوَّل الأمر عند نتنياهو إلى «قمار» يدفعه إلى توقع الربح كلما أطال اللعبة.. بعد أن فشل فى كل شىء إلا قتل الأبرياء. فلا هو أعاد الرهائن ولا هو قضى على «حماس» ولا هو احتل غزة!! فلم يزل القتال فى كل مكان حتى فى الشمال الذى سُوى بالأرض وهوجم بالفسفور الأبيض!! نتنياهو يهرب من العودة فارغ اليدين.. وبالتالى من المحاكمة عن كل شىء.. الفشل فى ٧ أكتوبر والفشل فيما بعده!
مصر تدرك خطورة مذابح على حدودها.. وتدرك خطورة وجود الجيش الإسرائيلى عند أقرب نقطة لديها وأثره على الأمن المصرى، ومن هنا كانت التحذيرات.. ومن هنا ستكون المواقف الرافضة تماماً لهذا العدوان.. دون أن يؤثر ذلك على أى مساعدات تذهب للأشقاء عبر رفح المصرية التى ستشاطر نصفها الآخر على أرض فلسطين لقمتها كما تشاطرها مأساتها!