كيف تُفسد مصر مفاوضات هى التى أطلقتها وتُفشل مشروعات تسوية هى التى طرحتها؟!!تدهشنا الـ«سى إن إن» بعبقريتها وذكاء القائمين عليها، إذ كيف لطرف يقوم بالوساطة ويفشلها فى الوقت نفسه؟؟!!! أفهم أن أحد أطراف التفاوض ممن يجلسون على مائدة المفاوضات وله مطالب عند الطرف الآخر يرى أنه لا تتم الاستجابة لها أو أنها لا تتحقق يقوم بالتملص من تعهداته بالتوصل إلى حل، لكن أن يتملص من الحل من يقدمه لطرفى الصراع فهذا إبداع نراه للمرة الأولى.. وربما الأخيرة!!فمصر التى اشتهرت بصيغة ومبدأ وجملة «الصبر الاستراتيجى»، وهو منهج يقتضى منح الفرصة تلو الفرصة لآخرين يرتبطون مع الدولة المصرية بمفاوضات أو تعهدات يتم الابتعاد عنها، وتعطى للوقت قيمته لكن بترتيب أوراق وأولويات اشتهر به المفاوض المصرى.. وعلى هذا المبدأ (المنهج) كان دور مصر منذ ٧ أكتوبر.. تعرف حقوق شعب فلسطين الشقيق، وتعرف التزامات المحتل المنصوص عليها قانوناً فى القانون الدولى والدولى الإنسانى، وتقدم مشروعاً متكاملاً لإنهاء الصراع كله وبشكل كامل وبما لا يسمح بعودة العنف من جديد، وقد اعتدنا على مواجهات مسلحة كل فترة من الوقت يدفع سكان غزة، بشيوخها ونسائها وأطفالها، ثمنه، وتريد حلاً نهائياً ينتهى بإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتتمتع بشروط الدولة القابلة للحياة من عملة وتمثيل دبلوماسى وحدود ثابتة وميناء ومطار، وتضع مناهج التعليم بمختلف مراحله، ومناقشة حق العودة، ووضع قوات الشرطة والجيش لمفاوضات حقيقية وجادة.. إلخ، ولكنها وهى تطرح ذلك وتتبناه دولياً وعلى أعلى مستوى وليس على مستوى وزارة الخارجية فقط، تضع فى أولوياتها القصوى الأحوال والأوضاع على الأرض، وفيها نزيف دماء لا يتوقف، ومأساة إنسانية كبرى، وجراح لا يمكن أو من الصعب تضميدها الآن أو على المستوى القريب، وشبح الجوع داخل القطاع المنكوب، وبالتالى أدركت مصر أن الهدف الأول هو وقف كل ذلك، وبعد إدراك ذلك الهدف ينتقل الجميع إلى مرحلة أخرى ونقطة أخرى من التفاوض ثم إلى مرحلة ثالثة وهكذا.. ولما كان القتال لم يتوقف فلا يمكن بحال وضع أى عربة أمام الحصان.. وخبرة المفاوض المصرى، خاصة فى جهاز المخابرات العامة صاحب الخبرة الطويلة فى مثل هذه المفاوضات الشاقة، تؤهله لتحمل أثقال وأعباء كثيرة وربما أكثر من ذلك، لكنه يضع الأهداف الكبرى والسامية فوق كل اعتبار!مصر طرف فى الحل.. وليست طرفاً فى الأزمة.. وبالتالى لا يمكن عقلاً أن يتخيل أحد أنه يسهم فى إفساد ما يطرحه.. لكن الذى لم تقله الـ«سى إن إن» أو غيرها من أدوات الإعلام الغربى التى ربما تتبعها هو الموقف المصرى الذى يقف حجر عثرة ضد مخططات عديدة وأهداف يظن أصحابها أنها مستترة لكن علمت مصر تفاصيل تفاصيلها.. ولذلك الصبر المصرى ينفد عندما يتعلق الأمر بكرامة مصر ومصالحها العليا، لكنه يبقى فى إطار ما يسمح به القانون الدولى والأعراف الدولية دون تشنج ودون انفعال خارج المنطق.. وهى هنا التمثيل والتعبير الأمين عن مصالح شعب مصر.. لكنها فى الوساطة بين طرفين يدفع الأبرياء فى الأرض المحتلة ثمنه كل لحظة لا تكون الوسيط الأمين فقط إنما الوسيط الأأمن على الإطلاق الذى لا مصلحة له فى فشل أو إفشال أو تعطيل أى مفاوضات.. تلتزم مصر رغم تشددها فيما يخص أمنها، وهذا حقها المشروع، بطاقة ذكاء مع الصبر لا مثيل لهما عندما يتعلق الأمر بمصير ملايين الأبرياء.. ملتزمة بأخلاقيات لم تصل بعد إلى البعض فوق هذا الكوكب!