قبل أى زيارة لرئيس الجمهورية إلى الخارج، جرى العرف على أن يسبق وصول الرئيس إلى هذه الدولة بعدة أيام وصول ما يسمى «وفد مقدمة الرئاسة المصرية» إلى هذه الدولة.. وتكون مهمة هذا الوفد هى التأكد من أن كل شىء على ما يرام، وأن جدول الزيارة كما تم الاتفاق عليه بين وزارة الخارجية المصرية ومثيلتها فى الدولة الأجنبية، سيتم تطبيقه بفعالية، وتوفير كل الظروف المناسبة لإنجاح هذه الزيارة وتحقيقها لأهدافها.. وعلى الرغم من أهمية هذا الوفد، وفعالية ما يقوم به فى معظم الأحوال، فإن وفد مقدمة الرئاسة الحقيقى لا بد أن يكون أسبق من هذا بكثير، ولا بد أن تقوم به جهات أخرى، يقع عليها العبء الأكبر فى إنجاح الزيارة وفى فعاليتها، ومنها وعلى رأسها الهيئة العامة للاستعلامات.
زيارات الرؤساء إلى الدول الأخرى لا تتم بين ليلة وضحاها، بل تكون محدّدة قبلها بأسابيع إن لم يكن شهوراً، وهى فترة كافية لكى تقوم الهيئة العامة للاستعلامات وفروعها فى هذه الدول بمهامها المنوطة بها.. تحتاج هيئة الاستعلامات إلى أن يكون لديها برنامج زيارات الرئيس خلال الأشهر المقبلة، وأن تمهد الطريق لتلك الزيارات بحملات إعلامية وإعلانية.. الرأى العام فى معظم دول العالم لاعب أساسى فى السياسات الدولية وفى صناعة القرارات المهمة، ولا بد من التواصل معه قبل أى زيارة.. الرأى العام الدولى مهم لإنجاح الزيارات، ومهم لاستمرار دعم الدول الأخرى لنا.. ليس من قبيل الرفاهية ولا من قبيل حملات العلاقات العامة طيبة التواصل مع الرأى العام، بل من قبيل الوظائف العملية والنفعية التى يجب الاهتمام بها..
ومكاتب الهيئة العامة للاستعلامات فى الخارج ليست مسئولة حالياً، وما ينبغى لها، عن جمع قصاصات الصحف عما ينشر عن مصر، ولا ما يتم بثه من أخبار فى التليفزيون، فهذه وظائف يمكن القيام بها الآن من أى مكان فى مصر، كل الأشياء متاحة على الإنترنت، وكل المواد يمكن الحصول عليها دون تكلفة تقريباً.. الوظيفة الأساسية لهذه المكاتب حالياً هى أن تدرس أساليب الإقناع المناسبة لهذه الدول، وأن تصمم الرسائل التى تناسب كل مجتمع منها وفق عاداتها ومنظورها الثقافى والفكرى.. وأن تعرف المداخل التى يمكن أن ندخل بها إلى هذه المجتمعات.. وظيفة الرصد لم تعد تكفى، ووظيفة التوصيف لم تعد تجدى.. المهم استراتيجيات المواجهة، وسياسات التواصل مع الرأى العام..
لقد كانت الهيئة العامة للاستعلامات حتى وقت قريب تتبع وزارة الإعلام، ولعل هذه التبعية الماضية كانت تحد من قدراتها الخارجية وقدرتها على تحقيق أهدافها كعامل مساعد فى السياسات الخارجية.. غير أنها وبتبعيتها الحالية لرئاسة الجمهورية، تحتاج إلى أن تكون أكثر دعماً لهذه الزيارات، وأكثر تسهيلاً لها ومساعدة لها على تحقيق أهدافها.. ومن أهم هذه الوظائف هى تهيئة الرأى العام فى دول العالم للسياسات المصرية والترويج لها، حتى لو كان عن طريق حملات مدفوعة ومموّلة.. نعم.. الحملات المدروسة والمملولة تستطيع أن تحقق ما لا تستطيعه حملات العلاقات العامة التقليدية، إذا ما تم التخطيط لها بعناية..
ودعونا نذكر مثلاً عملياً على فكرة «تهيئة الرأى العام الدولى» قبل زيارة الرئيس إلى هذه الدول، زيارة الرئيس السيسى المرتقبة إلى ألمانيا.. هل تم تهيئة الرأى العام الألمانى لهذه الزيارة؟ هل تم شرح السياسات المصرية بشكل كافٍ فى وسائل الإعلام الألمانية؟ هل تم استقطاب عدد من كبار قادة الرأى العام إلى السياسات المصرية وإقناعهم بعدالة هذه السياسات؟ هل تم خلق جو عام مؤيد لهذه الزيارة ومرحّب بنتائجها فى وسائل الإعلام الألمانية؟ إذا كانت الإجابة على كل هذه الأسئلة بالنفى (وهى الحقيقة)، فهذا معناه أننا نعالج مشاكلنا وظروفنا الحالية بأساليب فشل خطئها فى الماضى، وستضعف موقفنا فى المستقبل..