لم يكن أشد المتشائمين تطرفاً يتوقع أن تأتى نهاية تلك الجماعة الشابة -التى تغازل الملك تارة وتغازل الشارع المصرى تارة أخرى.. والتى نمت وتضخمت بسرعة خرافية خلال العقدين اللذين سبقا ثورة ١٩٥٢- بهذه السرعة وبهذه الطريقة الدرامية.. فقد كان قرارهم الأحمق بقتل المستشار أحمد الخازندار فى عام ١٩٤٩ هو القشة التى أدت لسقوط الجماعة بالكامل.. وأدت لحظر أنشطتها.. ربما حتى قيام ثورة يناير.
وعلى الرغم من أن الجماعة لم تلجأ إلى هذا النوع من العمليات الإرهابية منذ نشأتها إلا فى مرات قليلة، فإن هذه العمليات كانت كفيلة بتقرير مصيرها فى كل مرة، فلجوء الجماعة للصفقات السياسية والاتفاقات السرية مع الأنظمة الحاكمة يجعلها تبتعد فى معظم فترات تاريخها عن هذا النوع من العمليات التى تهدف للانتقام أكثر من بحثها عن مكاسب حقيقية على الأرض.
هكذا يقول التاريخ، وهكذا رأينا ذلك الحادث الإرهابى الغاشم.. الذى طال روح سيادة النائب العام فى نهار رمضان وهو صائم!
لا شك أن الشكوك قد انتابت كثيرين وأنا منهم.. أن تكون تلك الفعلة القذرة قد تمت بيد إخوانية، ليس إنصافاً لتلك الجماعة الضالة المضلة، وإنما هو خوفٌ من المبالغة فى تقدير قوتهم، فتفجير من هذا النوع ربما ينتمى لنوعية من الجماعات الإرهابية التى تمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية ما يمكنها من القيام بذلك العمل، ولكن شماتة أعضاء الجماعة فى استشهاد الفقيد، وإشارة مرسى من خلف القضبان قد أزالت من رأسى تلك الشكوك، وجعلتنى أشعر بأن النهاية قد اقتربت بالفعل!
نعم.. هكذا يقول التاريخ، وهكذا يدرك كل من يحاول أن يرى المشهد بصورة أكثر شمولاً، فلم يتورط الإخوان فى عمل من هذه النوعية إلا وكانت نهايتهم ولفترة ليست بالقصيرة، فإذا كان مقتل الخازندار قد حظر أنشطتهم منذ أربعينات القرن الماضى وحتى ثورة يناير، فمقتل «هشام بركات» سيكون بإذن الله سبباً فى القضاء على ما تبقى منهم فى السجون أو حتى خارجها!
الطريف أن محاولات مشابهة قد حدثت على مدار التاريخ.. قامت بها جماعات متطرفة أخرى انبثقت من رحم تلك الجماعة الضالة، كان أشهرها مقتل المحجوب فى ثمانينات القرن الماضى، وحادث سياح الأقصر الشهير فى التسعينات، وكلاهما أدى إلى السيطرة على تلك الجماعات لفترة لا بأس بها بعدها!
ربما كان ذلك الحادث الإرهابى بشعاً بالقدر الذى يكفى لانشغال الجميع بالفاجعة التى أصابت مصر كلها.. ولكنها لا ينبغى أن تشغل الحكومة عن التقصير الأمنى الذى أدى لوصول كل تلك الكمية من المتفجرات إلى قلب القاهرة.. ونجاح العملية بهذه الطريقة ينبغى أن يؤدى إلى محاسبة الجهاز الأمنى بالكامل.. بدءاً من وزير الداخلية، مروراً بمدير أمن القاهرة وانتهاء بطاقم الحراسة الخاص بالشهيد..! والتبريرات الواهية التى أصبحنا نسمعها من كل مسئول فى تلك الوزارة.. والتى كان آخرها أن وزارته تمتلئ «بالإخوان» ينبغى أن يتم المحاسبة عليها بصورة أكبر، فالأمر لم يعد يحتمل أكثر من ذلك، ولن ننتظر شهيداً كل يوم!! سيدى شهيد السماء: ربما كانت دماؤك الطاهرة أغلى من دماء كل هؤلاء القتلة الذين لم يلتفتوا حتى لحرمة الشهر الكريم، ولكنها ستكون ثمناً لنهاية تلك الجماعة بالكامل، فلتسعد بجنتك، ولتدعُ لنا وأنت فى دار الحق أن نسعد بانتصارنا على تلك الجماعة القذرة.
سيدى الشهيد: سوف تصبح دماؤك قرباناً لهذا البلد الطيب، وسوف يكون ثمنها هو تلك الجماعة بأكملها، ليسجل التاريخ سطراً جديداً من سطور حماقتهم وخستهم، ويسجل أيضاً شهيداً جديداً خالداً لهذا الوطن، هكذا كان.. وهكذا سيكون.. هذا وعد..
يرحمنا ويرحمكم الله.