الخطاب السياسي بعد الثورة: الحلال بيّن والحرام بيّن.. والقانون فى إجازة
لم يختف القانون، لكنه صار كلاعب احتياطى، قلما تتم الاستعانة به، فى مقابل وجود لاعب رئيسى يتحكم فى سير المباراة، «الوعظ» هو اللاعب الذى تصدر المشهد السياسى الذى أصبح الأسلوب الجديد فى إدارة شئون الدولة.
فمجلس الشورى، الذى يمثل أحد أكبر المؤسسات السياسية الحاكمة بالدولة، ترك وظيفته التشريعية ليطالب وزارة الداخلية بتعديل لوائحها للسماح لأفراد الشرطة بإطلاق لحاهم، مبرراً بأسلوب وعظى بأن «تطبيق السنة مقدم على الأعراف».
أما الرئيس محمد مرسى فلم يكد يعلن اعتزامه حضور مراسم تنصيب البابا الجديد «الأنبا تواضروس الثانى»، حتى صدرت بعض الهمهمات من القوى السلفية التى تعترض بأسلوب وعظى، دون الاعتبار أن حضور الرئيس يمثل نوعاً من البروتوكول يجب الالتزام به.
«من يسهر إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، ولا يصلى الفجر، لن يرزقه الله» كلمات قالها الرئيس مرسى فى خطبته، الجمعة الماضى، التى اعتبرها البعض محاولة مبتكرة من الرئيس لجذب المعارضين لقرار إغلاق المحلات مبكراً ولكن بأسلوب وعظى مبتكر.
الوعظ لم يقتصر فقط على التصريحات السياسية، بل دخل حيز التنفيذ عندما قررت دار الإفتاء المصرية أن تنهى حالة الجدل السياسى حول «الضرب فى المدارس»، بإصدار فتوى تحرمه وتعتبر من يمارسه آثماً شرعاً، أما المثال الأكبر فقد كانت استعانة وزارة الداخلية بمفتى جماعة الإخوان المسلمين لإلقاء محاضرات دينية ودورات تدريبية حول تحريم التعذيب، التى منعها جهاز الأمن الوطنى بمجرد علمه بها.
«أسلمة شئون العامة بمصر» هو المصطلح الذى وصف به د.يسرى العزباوى، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، الأمر، مؤكداً أن الدين أصبح السلاح الذى يلجأ إليه الجميع فى إيجاد الحلول وتسكين المشكلات.
وحذر العزباوى من خطر اختلاط السياسة بالدين عند الطبقة الحاكمة، قائلاً: «وقتها سنجد أن الحلال والحرام هو ما سيحكم عملية صنع القرار»، ضارباً المثل بإرسال الرئيس مبعوثاً من السلفيين للتفاوض مع الجماعات الجهادية بسيناء.
وقال: «للأسف بدلاً من استخدام القوة فى القضاء على البؤر الإجرامية هناك تم اللجوء إلى الأسلوب الوعظى الذى يمثل أول خطوة فى الدولة الرخوة». أما الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوى الأسبق، فاكتفى بتعليق: «لا يمكن إنكار أن أخطاء الخطاب الدينى زادت بعد الثورة، والمأمول إعادة النظر فى هذا الخطاب من كافة نواحيه».