قال المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، مخاطباً الشباب: «عصر الوظائف الحكومية انتهى.. فكّر تنزل تشتغل بنفسك، فكر تشتغل على توك توك، بدلاً من فتح الكافيهات». هذا الكلام يعكس حالة من حالات العجز الواضح من ناحية، ويعبر عن تقصير من ناحية أخرى، فعجز الحكومة عن التعيين داخل مؤسساتها أمر مفهوم فى ظل العجز المتزايد فى الموازنة العامة، بالإضافة إلى ما يثقل كاهلها من مشكلات تستلزم توفير مليارات الجنيهات لحلها، بل إن الحكومة تسعى الآن إلى التخفف من الموظفين العاملين بها عبر أضابير ودهاليز قانون الخدمة المدنية، الذى يحمل الكثير من المفاجآت غير السارة لهذا القطاع الذى يناهز الستة ملايين مواطن، والمسئولين عن ملايين مضاعفة من البشر تتشكل منها أسرهم. وقد بدأ صراخ الموظفين يعلو خلال الأسابيع الأخيرة احتجاجاً على قانون الخدمة المدنية، ورد عليهم وزير التخطيط قائلاً: لا تراجع ولا استسلام!.
عجز الحكومة عن تعيين موظفين جدد أمر مفهوم، أما دعوة «التكتكة» التى تبناها «محلب»، ونصح الشباب من خلالها بالعمل على «تكاتك» فأمر غير مفهوم بالمرة، وهو يعكس حالة تقصير غير عادية من جانب الحكومة، كنت أنتظر من رئيس الوزراء مثلاً أن يدعو الشباب إلى عدم الاكتراث بالوظائف داخل القطاع الحكومى، وينصحهم بتأهيل أنفسهم بمهارات نوعية تساعدهم على العمل فى المشروعات الاستثمارية بمصر، لكنه بالطبع لم يتطرق إلى ذلك، لأن حكومته مقصرة أشد التقصير فى جلب الاستثمارات، وقد أثبتت العديد من وزاراته عدم قدرتها على تفعيل الكثير من المشروعات التى سمعنا عنها فى المؤتمر الاقتصادى الذى شهدته مدينة «شرم الشيخ». وأخشى أن يفهم البعض أن رئيس الوزراء يرى أن «سواقة التكاتك» هى المجال الحقيقى الذى يمكن أن يستثمر فيه الشباب طاقتهم، ليكسبوا رزقهم بعيداً عن الحكومة التى لم يعد لديها وظائف خالية. ربما كان ذلك كذلك، لكن الحكومة من ناحيتها لا تمنح «قطاع التكتكة» المناخ الملائم للنمو، إذ إنها تفرض العديد من الغرامات على من يسوق «توك توك» داخل شوارع المدن، وآخرها تلك الغرامة التى تقررت على من يقود «توك توك» داخل القاهرة. أتصور أن هذا المشروع الوطنى الكبير يحتاج من حكومة «محلب» إلى حزمة تشريعات جديدة، توازن بين ضجر البعض من انتشار التكاتك بشكل يثير إزعاجهم، ورغبة الحكومة فى تنشيط هذا القطاع الاستثمارى!.
الشغل مش عيب، والعجز عن توفير وظائف حكومية للشباب ليس عيباً أيضاً، لكن العيب أن ندعو الشباب إلى العمل فى مجالات حرفية ومهنية بعيداً عن الشهادات التى حصل عليها، لأن الحكومة لا توجد لديها وظائف خالية، فهذا الأمر يعكس حالة «لخبطة» فى السياسات، فإذا كانت الحكومة عاجزة عن التوظيف، وتنصح الشباب بالأعمال الحرفية، فلماذا لا تطور وتتوسع فى التعليم الفنى، بحيث يقبل عليه من فهموا المشكلة واستوعبوا عجز الحكومة، فقرروا الاتجاه نحو الأعمال المربحة، وبما يؤدى إلى توفير عمالة ماهرة حقيقية قادرة على الإجادة فى الداخل والخارج بعلم وقدرات حقيقية، وليس بالفهلوة؟.
عجيب للغاية هذا النوع من الأداء الحكومى الذى يصدّر المشكلات للشباب، ويقول له: «تكتك نفسك بنفسك»، بشرط الابتعاد عن «الكافيهات» التى تحقق ربحاً سريعاً بمجهود قليل، رغم أن ذلك هو شعار الحكومة نفسها!.