«الوطن» تقضى يوما مع «العطشانين» فى فيصل: «ضهرنا اتكسر من شيل الجراكن»
«الوطن» تقضى يوما مع «العطشانين» فى فيصل: «ضهرنا اتكسر من شيل الجراكن»
أحد الأطفال يستخدم «جركن» لملء المياه
فى شوارع ترابية غير ممهدة، يسير بعض سكان شوارع الفحام، وفتحى الموان، والخضرى، والصامولى بحى فيصل تحت أشعة الشمس الحارقة وفى أيديهم الجراكن، والأوانى الفارغة، يقصدون أحد البيوت التى تزورها المياه ساعة أو ساعتين من النهار والليل، سكان هذا البيت من المحظوظين جداً، لأن جيرانهم بالشوارع الأخرى يعيشون فى قحط منذ 5 شهور، لأن بيوتهم لم يزُرها أى نقطة مياه، ويعتمدون على مياه الجراكن فى الطهى والشرب وقضاء الحاجة.
صاحب مطعم: «الأسبوع اللى فات رميت أكل بـ400 جنيه بسبب قطع المياه»
أسفل إحدى العمارات التى تزورها المياه ساعة أو ساعتين يومياً، تصطف مجموعة من الرجال والنساء وقد اكتست وجوههم بقطرات العرق وعلامات الإجهاد من حرارة الجو. شارع طويل معلق على أحد جدرانه لافتة زرقاء كُتب عليها «شارع فتحى الموان»، هذا الشارع من الشوارع المحظوظة، وهو من الشوارع التى تزورها المياه ساعتين يومياً، فى بداية الشارع يقع محل بيع طيور، فى داخل المحل يقف صاحبه عبدالرحمن أحمد، ويملأ براميل بلاستيكية زرقاء «كل يوم الميَّه بتقطع من الفجر لغاية بعد العصر من أول شهر رمضان وهى على الحال ده لحد دلوقتى، بخزّن ميَّه فى البراميل علشان ما أتأخرش على طلبات الزباين، ورحنا اشتكينا فى الشركة قالوا لنا آخر الشهر الميَّه هتيجى، لدرجة إن فى رمضان ما كنتش بلاقى ميَّه أشرب فى السحور» قال «عبدالرحمن». إلى جوار محل بيع الطيور توجد منى محمود، صاحبة محل ملابس، قالت: «أنا نازلة الشغل وسايبة المواعين ما اتغسلتش مش لاقيه ميَّه أغسل بيها، والعيال بعملهم أى أكل على الماشى لغاية ما الميَّه تيجى وأطبخ لهم، لأنى ما بحبش أطبخ بميَّة التخزين، وكل ما نتصل بالشركة، يقولوا لنا بنوصل خط جديد وفى الآخر الفواتير تيجى عالية بـ100 جنيه ومفيش ميَّه أصلاً».
وأمام أحد أفران الخبز البلدى بنفس المنطقة يجلس إسلام مصطفى، 20 سنة، عامل بالفرن ويتحدث بنبرة غاضبة: «بسبب الميَّه بنتأخر على الشغل، وفيه طلبات ما بنقدرش نعملها، وبنضطر نجيب ميَّه من أى محل مخزن ميَّه علشان نقدر نخبز ونشوف شغلنا». يتفرع من شارع الموان شوارع الصامولى، والفحام، والخضرى، وهى من الشوارع المحرومة من المياه طوال اليوم منذ أكثر من شهرين، تقول سمر موسى، من سكان شارع الفحام، متزوجة ولديها 3 أطفال: «من كتر عذابنا فى الحصول على مياه الشرب، بنفكر نعزل من المنطقة، الميَّه بقالها شهرين ما شفناش منها نقطة واحدة، وبعد ما ركّبنا ماتور اتحرق لأن مفيش ميَّه فى المواسير، ركبنا ماتور التانى برضه ما نفعش كان ييجى آخر الليل وما يلاقيش ميَّه يسحبها، فاضطرينا ندق طلبمة حبشية علشان نعرف نغسل وننضف، وبخلى العيال يملوا جرادل من الشوارع اللى جنبينا علشان نشرب، لأن ميَّة الطلمبة مليانة معادن تقيلة وطعمها متغير ما تنفعش للشرب والطبخ، فى الأول الميَّه كانت بتيجى لنا ساعتين فى اليوم دلوقتى ما بنشفهاش».
ويقول سيد بخيت، صاحب مطعم فول وفلافل: «الأسبوع اللى فات رميت أكل بـ400 جنيه بسبب إنى مش عارف أغسل البطاطس ولا الفول، لأنهم لازم يتغير لهم الميَّه كل شوية، قطع الميَّه عن المنطقة وقف حال مش عارفين نشتغل ولا عارفين نعيش زى باقى خلق الله، والاسم قاعدين فى فيصل أُمال الناس اللى عايشة فى الأماكن النائية ولا الأقاليم يعملوا إيه، يا ريت المسئولين يحسوا بينا، لو واحد منهم بيمر بنفس الظروف ما كنش سكت على الظلم ده». من جانبه، يقول حامد أحمد سلامة، صاحب قهوة فى شارع الخضيرى: «أنا قفلت القهوة 4 أيام علشان أحفر طلمبة وأعرف آكل عيش، ما كنتش عارف أشتغل بسبب عدم وجود، قدمنا شكاوى للمسئولين لكن بدون فايدة، فى شهر رمضان الشركة بعتت عربية ميَّه واحدة علشان الناس تملى منها، ومن كام يوم جالنا واحد تبع الشركة وقال لنا الميَّه مش هتقطع تانى من بعدها الميَّه ما جتش خالص».
فى شارع الخضرى بالطوابق يشكو صلاح عبدالحكم، 55 سنة، أحد سكان شارع الخضرى بنبرة حزن، قائلاً: «أنا ولادى مشيوا من البيت وعزلوا للجيزة بسبب الميَّه، ده غير 5 سكان عزلوا من المنطقة، وفيه عمارة جديدة فى المنطقة الراجل دافع فيها 2 مليون جنيه ومش عارف يبيع شقة بسبب الصحرا اللى إحنا عايشين فيها». ويضيف يوسف ياسين، صاحب إحدى العمارات الجديدة بالشارع: «الستات الساعة 4 الفجر يخبطوا عليا عايزين ميَّه مش عارفين يشربوا، وأنا كنت بخليهم يملوا الجراكن والجرادل، ولما الميَّه قطعت قلت مفيش بإيدى حاجة أعملها فى الآخر قلت لهم نلم نفسنا ونروح على المحافظة نشتكى، وبعد ده كله جالى وصل الميَّه بـ1200 جنيه ومفيش ولا نقطة ميَّه فى العمارة». تلتقط منه أطراف الحديث آمال أحمد، 25 سنة، متزوجة ولديها طفلان تظهر على وجهها علامات التعب والإجهاد من فرط البحث عن مياه الشرب، تتحدث بنبرة بائسة وتقول: «فى مرة من المرات خليت بنتى الصغيرة تستحمى فى الجامع، بسبب قطع المياه».
تكمل «آمال» حديثها قائلة: «خلاص ضهرى اتقطم من نقل الجراكن، ده فيه واحدة جارتى جابت ميَّه من بلدهم من العياط جنوب الجيزة، وهى راجعة من السفر علشان تشرب هى وجوزها، وفى الآخر لما تيجى نقطة ميَّه، بتيجى سودا بسبب المواسير اللى عفنت من انقطاع المياه». فى نفس الشارع يوجد منزل صغير يمتد فيه خرطوم أبيض اللون، وبجواره مجموعة من الجرادل البيضاء والزجاجات الفارغة، التى أحضرتها مجموعة من النساء لملئها لسد عطشهن، تقول عطيات حسن، 52 سنة: «إحنا خلاص هنموت من العطش، ولا عارفين نشرب ولا عارفين نستحمى ولا حتى نتوضى، أو نغسل هدومنا.
إحدى سيارات المياه تجوب شوارع فيصل
سيدتان ترويان تفاصيل الأزمة