«مش كل رامى الشبك صياد.. ممكن تكون صيادة»
«مش كل رامى الشبك صياد.. ممكن تكون صيادة»
إحدى السيدات تصطاد بصنارة عادية
اختاروا لها اسماً قريب الشبه من أسماء الرجال، تماماً كما المهنة التى أتقنتها وتمكنت من الظهور فيها لتصبح «محمودة» صيادة ماهرة فى بحيرة قارون، بمحافظة الفيوم.
«محمودة» تعمل فى مهنة الصيد منذ عشر سنوات.. و«خضرة»: «على قد الصبر بييجى الرزق»
امرأة فى العقد الخامس من العمر، دعتها الظروف ومتطلبات الحياة لتمسك بالشباك وتحل محل زوجها الراحل، قبل 10 سنوات من الآن، وتحديداً قبل رحيل زوجها، كانت تخرج على استحياء معه، لتمد له يد العون وقتما يلقى الشباك أو يجمعها، تساعده على قدر أنوثتها، وتمنحه بعضاً من دفء الحياة فى مهنة لا تعرف الدفء، فى جوف المياه كان يمكث الرزق، وكانت هى وزوجها يداً بيد من أجل تربية طفلتهما الوحيدة التى وهبها الله لهما.. وكما عودتها الحياة منذ الصغر لم تشأ «محمودة» أن تتولى زمام الأمور، كما لم تشأ أن ترتبط كل أحلامها بتلك المياه التى اعتادت على الذهاب إليها فى رحلة يومية تبدأ منذ ساعات الصباح الأولى وتنتهى مع غروب الشمس.
فى خيوط الشباك كان الكنز الحقيقى الذى باتت تنتظره بشغف عن تلك الكميات الوفيرة التى يرسلها لها الله يومياً، تصبر نفسها بتلك اللحظات التى تبخل عليها الشباك فى الرزق وتتوقع يوماً ما سيغنيها عن كل تلك اللحظات الصعبة، لم يعلمها البحر الصبر فقط، لكنه علمها أيضاً القيادة وكيفية تحمل المسئولية لتتمكن من العيش فى حياة لا تعرف الضعيف.
«محمودة» واحدة ممن دفعتهن الظروف للخروج إلى بيئة عمل صعبة وغير تقليدية.
ربما اختلفت الظروف مع خضرة محمد التى أتمت عامها الخامس والثلاثين قبل شهور قليلة؛ إذ بدأت مهنة الصيد وهى فى الثامنة من عمرها فكانت تذهب مع والدها تساعده، إلى أن تمكنت من حمل الشبكة وحدها والصيد بمفردها حين بلغت الثانية عشرة من العمر، تمكنها من العمل جعلها تستقل قارباً صغيراً من الخامسة صباحاً حتى غروب الشمس، تقوم هى بتنظيفه بعد انتهاء رحلتها الطويلة ثم تبدأ رحلة جديدة فى بيع ما قامت بصيده من الأسماك فى أسواق الفيوم، ربما تضطر «خضرة» إلى أكل ما اصطادته إذا ما اضطرتها الظروف لذلك وبخاصة فى حالات الركود التى تحدث بين الحين والآخر، لتقوم بأكله هى وابنتها «فردوس» التى حرصت الأم على اصطحابها بين الحين والآخر لتعلم الصبر على الرزق، لا لتعلم المهنة فى حد ذاتها، إذ ترغب الأم فى تعليم ابنتها أحسن تعليم وهو ما دفعها لتحفيظها القرآن الكريم وإلحاقها بإحدى المدارس الحكومية القريبة.
فيما عملت أرزاق نعيم فى مهنة الصيد على الطريقة القديمة من سنارة وطعم، تصطاد بهما كميات بسيطة من الأسماك لكنها تعينها وتمكنها من رعاية أسرتها المكونة من والدها ووالدتها المسنين وثلاثة أبناء، تتحدث «أرزاق» عن أن لديها ولدين يساعدانها فى تحمل مصاريف البيت من حين لآخر، إذ إنهما يعملان فى الزراعة، فيما تساعدها ابنتها الوحيدة، البالغة من العمر 11 عاماً، فى تنظيف الأسماك التى تصطادها والدتها، وتقوم ببيعها نظيفة لزبائن بعينهم، صاروا معتادين على أسماكها.
تشرح كيف يبدأ يومها وكيف ينتهى، إذ إنها تحمل الغزل الخاص بالسنارة والطعم المناسب للصيد والمشنة التى تجمع فيها الأسماك وتظل منذ ساعات الصباح الأولى إلى أن يرزقها الله بكميات اعتادتها كحصيلة يوم طويل قد تصل فى أقصى تقدير إلى 7 كيلو سمك، ثم تبدأ رحلة أخرى فى تنظيف ما جمعته من السمك إما من أجل عرضه فى السوق أو من أجل زبائنها المعروفين.
وعن تلك الأنواع التى تصطادها من بحيرة قارون فإنها دائماً ما تصطاد السمك البلطى، إذ إن مشقة صيده أقل بكثير من غيره من الأسماك.
وتؤكد «أرزاق» أن مهنة الصيد ليست معروفة بين سيدات محافظة الفيوم بالدرجة الكبيرة، إذ إن نساء الفيوم ينقسمن بين ربات بيوت وعاملات فى الزراعة أو صناعة المفروشات البسيطة، والقليل منهن يعملن فى الصيد، ومنهن المتعلمات وغير المتعلمات حسب الظروف التى نشأت فيها هذه المرأة، لكن بالرغم من أن الفيوم مجتمع ريفى فلا يوجد ما يمنع عمل المرأة عموماً.
ويؤكد محمد إسماعيل، 67 عاماً، صياد بالفيوم، أن زوجته، رحمها الله، ظلت تعمل معه بمهنة الصيد لأكثر من أربعين عاماً، وهو الآن يأخذ ابنته معه لتتعلم حرفة الصيد، حيث إنه لا يعرف حرفة أخرى ليعلمها لها ويريد أن تكون هذه الحرفة سنداً لها فى حياتها بعد وفاته.
ويوضح أنه يحب مهنة الصيد وسيظل يعمل بها لآخر يوم فى حياته، ويرى أنها مهنة ليست صعبة ولكنها تحتاج للصبر وتحمل أشعة الشمس الحارقة فى الفيوم.
ويقول إن الصيد لديه ليس له معدل ثابت؛ ففى بعض الأيام يصطاد كمية كبيره تجعله يأخذ راحة فى المنزل اليوم التالى، وأحياناً يجد عناء فى اصطياد سمكة واحدة لكنه مقتنع أنه رزق وأن الله سيعوضه خيراً فى الأيام التالية.
ويؤكد أنه فى السابق كان يذهب للسوق لتصريف بضاعته لكنه الآن «ربى زبون» فأصبح الزبائن هم من يبحثون عنه.