بعد مائة عام: فندق ماجستيك تحول إلى مول.. وفيلا «سباهي» تسكنها الفئران
بعد مائة عام: فندق ماجستيك تحول إلى مول.. وفيلا «سباهي» تسكنها الفئران
الإسكندرية مدينة الجمال والتراث التى تحولت إلى «مبان مهدمة» بسبب الإهمال
حلمَ الإسكندر الأكبر بها عاصمة للإمبراطورية، وأراد لها العديد من الشخصيات اليونانية والإيطالية أن تظل مدينة الجمال والتراث، فأنشأوا الفيلات والميادين التراثية، فندق «ماجيستك»، وفيلا «سباهى»، و«إمبرون»، لتكون من أرقى مدن العالم، إلا أن الحلم تحول إلى كابوس، وانتهى حديثاً على أعتاب الضياع والإهمال بين أصوات الكراكات التى تهدم يومياً تراثاً سعى أصحابه لتخليده، وبين أصوات بائعين افترشوا ميادين صُممت لتكون مزاراً للعظماء والكبار.
فيلا «إمبرون» التى كتب فيها «داريل» رباعيات الإسكندرية تحولت إلى «مزرعة مواشى»
كان المعمارى «هنرى غرة بك»، فى بداية القرن العشرين، يتمعن فى تصميم فندق «ماجيستك»، بتصاميم فرنسية رقيقة ودقيقة، للتناسب مع إطلالته المميزة على ميدان المنشية، المصمم على غرار أحد أشهر الشوارع مدينة الأنوار الفرنسية، فيما فكّر مالكوه بعد أكثر من مائة عام على إنشائه فى كيفية تحويله إلى قطعة خرسانية، دون الاكتراث بقيمته التاريخية.
يقع «ماجيستك»، الفندق الذى تحول إلى «مول» لاحقاً، فى ميدان عرابى بمنطقة المنشية، ويعود تاريخ تشييده إلى بداية القرن العشرين على يد المعمارى «هنرى غُرة بك»، بتأثير فرنسى واضح، حيث يتميز بوجود قبتين أعلى البناء مشيدتين بعناية شديدة.
بمرور الزمن وبفعل حالة الإهمال التى أصابت القبتين المميزتين للمبنى، وعوامل التعرية، والأمطار والرياح على مدار أكثر من 100 عام، ولأنها العائق الوحيد أمام مالك العقار من إضافة أدوار للمبنى، كانت عوامل التعرية بالنسبة له هدية على طبق من فضة، وبالفعل تركهما حتى انهارتا.
يُعد مبنى «ماجيستك» أحد المبانى التراثية، والمتضمن داخل مجلد التراث المصرى، حيث يحظر هدم أو تشويه تلك الأبنية، وفقاً لتصنيف الآثار، واكتسب المبنى سمات معمارية خاصة، تعود لخبرة مشيده «غرة بك» الذى درس العمارة بالمدرسة المركزية بباريس، وتُعتبر مدرسة كلية فيكتوريا بالإسكندرية الإنجليزية أشهر وأهم أعماله، إلى جانب بعض الأبنية السكنية الأخرى، وبنك دى روما بشارع فؤاد الأول، البنك الأهلى حالياً.
داخل المبنى الأثرى العتيق سُطرت أهم الكلمات عن مدينة الإسكندرية، حيث قضى الروائى الإنجليزى الشهير فورستر شهور إقامته الأولى فى الإسكندرية فيه، ومنه بدأ استكشافه للمدينة المزدهرة وقتها.
يقول محمد أبوالخير، عضو مؤسس بمبادرة «أنقذوا الإسكندرية»، إن الإهمال الذى أصاب «ماجيستك» هو أكبر دليل على إهدار موارد الدولة السياحية، حيث يرجع بناء الفندق للقرن العشرين، ويُعد أهم المبانى الأثرية التى يأتى لزيارتها سنوياً عدد كبير من السياح.
يضيف «أبو الخير» لـ«الوطن»: «مبادرة أنقذوا الإسكندرية قدمت العديد من البلاغات لقسم المنشية، وعدداً من الشكاوى لوزارة الثقافة بشأن المبنى الأثرى لعدم تشويهه بما يخالف القانون الذى يحظر تشويه أو هدم المبانى التى تقع فى مربع ميدان عرابى، كما قدمت الحملة من أجل الحفاظ على التراث كافة الاستشارات الفنية والمتخصصة لترميم المبنى، إلا أن المالك أيضاً لم يلتفت للأمر، وواصل عمليات البناء وتشويه المبنى».
وتعد فيلا «سباهى» من أروع البنايات فى مدينة عروس البحر الأبيض المتوسط، بطرازها الإيطالى المتميز، بأبوابها المرصعة بالأشكال الخزفية الدقيقة، وكانت أهم قصور خمسينات القرن الماضى بالإسكندرية بعد أن صممها المعمارى المصرى «على ثابت»، إلا أنها كغيرها أصبحت حصناً مهجوراً تسكنه الفئران، ولا يقترب منه أحد.
وشُيدت «سباهى» فى نهاية خمسينات القرن الماضى، لتكون شاهدة على العصر الذهبى لعروس البحر الأبيض المتوسط، وهى تقع أمام أحد أشهر الشواطئ بالعالم، كانت تأتى إليه أهم الشخصيات السينمائية المصرية لتصوير الأفلام، وهو شاطئ ستانلى.
وعاشت بالفيلا عائلة «سباهى» باشا، أصحاب أول مصانع الغزل والنسيج فى الإسكندرية، ثم هجرتها العائلة منذ عدة سنوات لتصبح الفيلا مهجورة، فقط يتساءل المارة عن تاريخها لكثرة جمالها، فيما قدم مالكها تظلماً لوزارة الآثار لإخراجها من قائمة المبانى التراثية، وتم رفضه، ما اضطره لبيعها إلى أحد المقاولين.
وتشهد الآن الفيلا عملية وضع أحجار حمراء مكان الشبابيك والأبواب الخشبية، وتعلية السور المحيط بها، وهو نفس ما حدث مع العديد من المبانى التراثية قبل البدء فى هدمها ليلاً، وهو ما جعل الناس تتحدث عن اتجاه مالكها إلى هدمها أو تشويهها.
فى 19 شارع المأمون بحى محرم بك العريق تقع فيلا «إمبرون» التى سُطرت فيها رباعيات تغزلت بمناطق الإسكندرية الرائعة، وتحدثت عن النبى دانيال، ومحرم بك، وكوم الدكة، وعمود السوارى.
شُيدت الفيلا على الطراز الإيطالى عام 1920 وسُميت على اسم عائلة المقاول الإيطالى إمبرون الذى شيدها وعاش فيها مع زوجته الفنانة التشكيلية إميليا، وملحق بها برج أثرى يميزها ويجعلك تشعر بأنها أشبه بقصر كبير.
تطل «إمبرون» على ثلاثة شوارع عريقة فى «محرم بك»، هى: المأمون، وعلى شيحة «الكنوز سابقاً»، والنعم، وكانت حديقة الفيلا تحوى العديد من الأشجار والنباتات النادرة.
وشهدت جدران الفيلا على كتابة رباعيات داريل الشهيرة التى تتغزل فى جمال مدينة البحر المتوسط، ليجعل منها عروساً يتذكرها الناس دائماً ويتمنى من لا يراها لو زارها لمعاينة جمالها.
إلا أنها تحولت من كونها حامية لتراث الإسكندرية وتحفة فنية، إلى مجرد جدران بعد بيع حديقتها التى كانت مليئة بالأشجار والنباتات النادرة، لتحل مكانها كتل خرسانية ترعى بينها الماشية.
ومن الأماكن الأثرية التى تم هدمها بالكامل، خلال أحدث ثورة 25 يناير، فيلا «لا فيلا»، وكانت قبل الثورة فندقاً أثرياً «Boutique Hotel». بعد ترميمه وتجهيزه بنحو 3.5 مليون، إلا أن الفكرة لم تستمر، لأن مالكها استغل حالة الانفلات الأمنى خلال الثورة، وحوّلها إلى ركام، حتى ينشئ بدلاً منها برجاً سكنياً.
وبقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 86 لسنة 2012 تستعد مدينة الإسكندرية لتوديع واحدة من الفيلات التاريخية لتحل مكانها أبراج أسمنتية، وهى فيلا الثرى اليهودى «شيكوريل» التى أخرجها رئيس الوزراء السابق كمال الجنزورى من قائمة التراث المعمارى ليفك الحظر عن هدمها.
وتُعتبر فيلا «عبود» التراثية، فى منطقه زيزينيا شرق، آخر ضحايا أزمة المبانى التراثية بالمدينة، فقد دخلت المجلد التراثى رقم «12»، قبل أن تخرج منه عام 2014 بناء على حكم قضائى، ويتم هدم نحو 90% منها. يقول الدكتور محمد عوض، رئيس لجنة حماية التراث المعمارى، إن الفيلا على وضعها الحالى لا تصلح للترميم أو البناء من جديد بعد هدم جزء كبير منها، ما أدى لضياع ملامحها التراثية، لافتاً إلى أن رئيس الحى استخدم الضبطية القضائية لوقف أعمال الهدم لكن بعد 3 أيام من بدء أعمال الهدم.