شرفت بحضور احتفالات بلادى بذكرى انتصارات أكتوبر فى الكلية الحربية صباحاً، واستاد الدفاع الجوى مساءً، وتمنيت وجودكم جميعاً بها، فالطبيعة تختلف كثيراً عما نراه على الشاشات، ودعونى أنقل لكم بعضاً من انطباعات شعرت بها فى كلا الاحتفالين.
أولاً: يُصر الرئيس للعام الثانى على التوالى أن يكون احتفاله بيوم ذكرى أكتوبر من قلب الكلية الحربية وسط أصحاب الغد ممن يتم إعدادهم وتأهيلهم لحماية الوطن ليفهموا الدروس ويعوا المتغيرات فيما حولهم، فيدركوا رسائل حماية بلادهم. وجودُ لا يوضح فقط تضامناً مع شباب هم ثروة وطن إن أُحسن التعامل معهم، ولكنه يرسل الرسالة -لكل من تسول له نفسه شراً ببلادى- بأن مصر ولادة لرجال لا يعرفون سواها مقصداً.
ثانياً: جاء العرض العسكرى بكافة تخصصاته مفعماً بالحماس والقوة التى عبرت عنهما استعراضات الوحوش من طلبة الكليات العسكرية على تعددها، واستعراض السلاح وموقف مصر من تجديد دماء تسليحها بالتصنيع المحلى والشراء الخارجى من كافة الدول. رسالة عبرت عنها كلمات الرئيس فيما بعد حينما قال: «إن الجيش المصرى، وبكل تواضع قادر على حماية الوطن والدول الشقيقة إن احتاجت له». نعم هو تواضع القوة التى لم تعتد يوماً على أحد، بل حافظت على أمنها وأدركت مقوماته.
ثالثاً: توقفت أمام كلمة الرئيس فى الكلية الحربية حينما تحدث من قبل عن النوايا الحسنة التى كُتب بها الدستور، مؤكداً حق الناس فى تحسبهم من تلك الكلمة، ولكنه أضاف: «إوعوا تتعاملوا معايا على إنى صاحب سلطان». وهنا أتوجه للرئيس وأذكّره أنه بفعل الدستور والانتخاب صاحب سلطان نطمح فى عدله ونثق فى رؤيته وندعو له ليل نهار بسداد الخطى، ولكن علينا الاعتبار من التاريخ -على سبيل المثال- حينما قبل الرئيس السادات بتعديل مادة انتخاب الرئيس فى الدستور على غير طمع منه، لتكون له صلاحية الترشح مدى الحياة لا مرتين فقط، وكانت النتيجة أن جاء من بعده من ظن أن من حقه حكم مصر ما دام فى القلب نبض وما كان فى الصدر نفس وتوريثها لابنه أيضاً. ولذا فليكن الدستور والقانون هما صاحبى السلطان علينا جميعاً، لنحمى بلادنا من النيات أياً كانت.
رابعاً: جاء أوبريت «مصر المكان والمكانة» وأوبريت «عناقيد الضياء» بمشاركة رقيقة مُحبة وصلت مشاعرها من الإخوة فى الإمارات بصدق لقلوبنا، لتؤكد ما سبق أن تحدثنا فيه وكررناه مراراً وتكراراً من ضرورة عودة الدولة للفن والإعلام والثقافة والتعليم وبقوة، فما أروع رقى الكلمة واللحن وتقدم تكنولوجيا المؤثرات البصرية والسمعية التى تحتاج حضوراً حياً كى يستوعب الإنسان روعتها، فالشارقة إمارة حاضرة فى إنتاج مميز يرتقى بالنفس والعقل. تثبت لأهل الفن لدينا أنهم بحاجة لوقفة مع الذات ليتعلموا ما عليهم تقديمه من فن، وترسل للدولة المصرية رسالة ضرورة عودتها لهذا المجال لكونه سلاحاً حاسماً فى معارك الجيل الرابع. جاءت كلمات وألحان مصر المكان والمكانة لتعيد للأذهان ملامح من تاريخ سرمدى عامر زاخر علينا مده بالمزيد من بواعث الفخر. وجاء أوبريت عناقيد الضياء كأروع ما يكون التعبير عن جمال السيرة المحمدية الآسرة للنفس، وسماحة الدين المشوه على يد أبنائه للأسف.
خامساً: كان لجلوس رجال الوطن من كافة الرتب والتخصصات فى الجيش والشرطة -طلاباً وجنوداً وضباطاً- على يمين المقصورة الرئاسية فى استاد الدفاع بزيهم الرسمى، وقع فى النفس بأنهم أصحاب الفضل من بعد الله فى احتفالاتنا تلك، فلولا من سبقوهم ممن ضحوا بالغالى والرخيص لتحقيق النصر، ولولا ما يقومون به هم اليوم من جهود لتأمين الوطن والمواطن، ما كان جلوسنا واحتفالنا بتلك الذكرى العطرة، فتحياتنا وسلاماتنا لمن حضر ومن مكث فى موقعه يؤدى واجبه.