الباليرينا.. فراشة على خشبة المسرح
الباليرينا.. فراشة على خشبة المسرح
الباليرينا.. فراشة على خشبة المسرح
يتحركن مثل الفراشات على خشبة المسرح، يتمايلن بأجسادهن بمرونة تكاد تختفى معها عظامهن، تعلمن كل حركة منذ نعومة أظافرهن، لتتحول الحركات والرقصات بمرور الوقت إلى قصة يكتبنها بذكاء ويجسدنها بخفة طير، أمام جمهور من نوع خاص، تتنوع ملابسهن حسب الدور الذى يقدمنه، تارة يرتدين الفساتين القصيره الملونة ليجسدن تراث مصر القديم فى استعراض «الإسكندرانية القديمة»، أو يلتحفن بـ«ملاية لف» ليجسدن حياة المصريات فى العهود الماضية، لا يخلو الأمر من أدوار الصيادات المصريات، أو حتى عروض «الليلة الكبيرة» ليصنعن بفنهن توثيقاً للتراث المصرى بصورة مختلفة، عبر رقصات الباليه التى احترفنها.
سلمى شريف واحدة ممن تعلمن رقص الباليه منذ أن كان عمرها سبع سنوات، إلى أن صارت إحدى محترفات الرقص فى دار الأوبرا المصرية ببلوغها الـ22 عاماً، ورغم صغر سنها لكنها تضع لنفسها أولويات وأهدافاً ليس فيها الزواج أو الخطوبة، فعلى حد تعبيرها: «لا أريد أن أصبح تحت سلطة رجل يمنعنى من ممارسة أحب الأشياء إلىَّ وهو الباليه»، سلمى كرست حياتها للباليه منذ أكثر من 15 عاماً فهى تعلم أن أى رجل شرقى سيمانع فى سفرها المتكرر لعدة دول لتمثيل مصر فى الباليه، وربما يرفض أيضاً هذا بخلاف الملابس القصيرة التى يفرضها عليها الباليه والتى قد تمثل أزمة للكثيرين، على حد وصفها.
النجاح والتميز الذى صنعته بعشقها لـ«الباليه» تراه سلمى أنه أثر سلباً على حياتها فى أشياء كثيرة، إذ لم تعد تتذوق طعم النجاح فى حياتها سوى فى الباليه، إلى أنه أثر على علاقتها بأسرتها، لأنها أصبحت منشغلة عنهم طوال الوقت، فيما حققت شيماء إبراهيم، البالغة من العمر 28 عاماً طموحها، بعدما أصبحت راقصة باليه محترفة، استغرقت فى تدريباته وعروضه قرابة الـ21 عاماً حتى تصل إلى مكانة متميزة فى فريقها الذى تعمل فيه الآن، اختارت شيماء الباليه فى بادئ الأمر من أجل اللياقة والخفة والرشاقة ليس من أجل هدف معين فيه، لكن الأمر تطور إلى درجة التميز وإثبات الذات لتضع بصمتها الخاصة وسط الفريق.
ترى شيماء أن الباليه ساهم بدرجة كبيرة فى تطوير نفسها، خاصة أنها تتدرب كل صباح حتى المساء، وأضافت تقول: «أنا عمرى ما حرمت نفسى من أكل عشان الرشاقة، لأن التمرينات قاسية وبتحرق أى دهون»، وترى شيماء أن سمات راقصة الباليه الناجحة تتمثل فى اللياقة والليونة، ولا يتحقق ذلك إلا ببدء التدريب فى سن صغيرة، وتؤكد أنها شاركت مع الأوبرا فى عدة استعراضات خارج مصر فى عدة بلاد مثل ألمانيا وعمان وروسيا والصين وإسبانيا، وترى ذلك من مميزات الباليه، حيث يمكنها من الذهاب لدول جديدة والتعرف على ثقافات الشعوب الأخرى، وسعيدة بتجسيد التراث المصرى هناك لتعرف جميع الدول أن مصر هى أساس الفنون الراقية فى كل البلدان، وتقول إن أكثر استعراض تحبه هو «كساره البندق»، فهى تجده الأقرب إلى شخصيتها، وتوضح أنهن يقدمن عرضاً جديداً كل شهر فيستغرق التدريب على الاستعراض الواحد شهراً.
لا تخلو حياة الباليرينا من بعض المواقف الحرجة، تذكر شيماء ذلك الموقف الذى تعرضت له أثناء أحد الاستعراضات فى مهرجان الموسيقى العربية، ودون قصد نسيت الاستعراض وهى فوق خشبة المسرح واتجهت لتأدية الاستعراض الخاص بالرجال فى الفريق، فى محاولة منها لاسترجاع ما نسيته فى الدور.
بعض الشائعات تنال «الباليرينا» ويتداولها البعض دون دليل واضح، تقول شيماء: ما يشاع عن أن الفتاة التى ترقص الباليه قد تفقد عذريتها أمر لا أساس له من الصحة، وإنها لم تحدث فى تاريخ الباليه أبداً، وترجع ذلك لأنهن يتدربن منذ صغرهن فتكون عظامهن لينة، مما يجعل حدوث ذلك مستحيلاً، لكنها تؤكد أن فرص الزواج لراقصة الباليه محدودة جداً، فعلى حد تعبيرها: «للأسف 90% من راقصات الباليه لا يتزوجن لأن الباليه يستحوذ على أوقاتهن بالكامل».
بينما تقول نيناس نظمى، 25 عاماً، إن الباليه لن يمنعها من الارتباط، لأنها إذا وُضعت فى مقارنة بين الباليه والاستقرار ستختار الاستقرار، لأنها مؤمنة بأنها لن تظل طوال عمرها فى رقص الباليه، خاصة أنه يستمر معها لسن معينة ثم رغماً عنها ستتركه، وفى نفس الوقت ترى أن الزواج يقضى فى كل الحالات على حلم الرشاقة، خاصة حينما تصبح أماً، وهو ما يزيد من وزنها وأيضاً لن تتمكن من تلبية احتياجات منزلها كأم بسبب سيطرة الباليه وتدريباته المستمرة طوال الوقت، وتؤكد نيناس أنها لا تجد وقتاً لممارسة حياتها بشكل طبيعى، فلا يوجد فى قاموس حياتها «فسح» أو خروج مع الأسرة أو الأصدقاء، وتؤكد أنها تعلمت من الباليه ضبط النفس بشكل كبير، فهى مثلاً فى الاستعراض الأخير سقطت على المسرح وأصيبت فى قدمها، وأثار ذلك أيضاً سخريه الجمهور ومع ذلك استمرت فى العرض بابتسامة واسعة على وجهها حتى انتهى العرض ثم تلقت العلاج المناسب، كما يؤهلها ذلك لضبط النفس فى الحياة العملية فتتجاهل المواقف السخيفة التى تمر بها.