«نجع العرب» بالإسكندرية: الحياة والموت فى بحيرة مياه
«نجع العرب» بالإسكندرية: الحياة والموت فى بحيرة مياه
أهالى نجع العرب لم يجدوا وسيلة للتنقل سوى الفلوكة
«الحزن على بيوتنا لا يحل المشكلة، وأهالى المنطقة اتفقوا يحلوا أزمة التنقل باستعمال الفلوكة، عشان لو قعدنا 100 سنة الحكومة لن تنفعنا».. هكذا قالت فتحية عمران، واحدة من أهالى منطقة نجع العرب فى الإسكندرية التى تحولت إلى مدينة مائية بعدما أغرقت مياه الأمطار شوارعها بالكامل، وتوقف محطة طلمبات المكس عن العمل، بسبب إضراب العاملين فيها.
توقف «محطة طلمبات المكس» والمياه غمرت متراً من جدران المنازل.. والأهالى: بنتحرك بالفلوكة عشان مش عارفين نمشى.. وأطفال: بنلعب كورة مية
على مدار 12 يوماً كاملة تحولت الحياة فى «نجع العرب» بمنطقة «الورديان»، الواقعة بين «المتراس» غرب المدينة وطريق محور التعمير، إلى صورة أخرى غير التى اعتدنا عليها، بسبب المياه التى تملأ الشوارع، ومنذ 3 أيام زاد منسوب المياه وغرقت بالكامل، ولم يعد سهلاً أن يمر أحد فى الشوارع، أو يذهب الأطفال إلى المدارس دون الخوض فى مياه تغرق ملابسهم المدرسية، مع وقف كامل لكثير من مناحى الحياة. وتغمر المياه نحو متر من جدران عمارات المنطقة، التى يقطنها الآلاف، بسبب ارتفاع منسوب بحيرة مريوط، نتيجة للأمطار، وإضراب العاملين بـ«طلمبات المكس». وتتميز تلك المنطقة بأن أغلب سكانها يعملون فى الصيد من الملاحات القريبة منهم، لذلك لجأوا بعد غرق شوارعهم إلى استخدام «الفلوكة»، بعدما اختفت وسائل المواصلات الأخرى، وبدأ الأهالى فى التعايش، لدرجة أن الأطفال استبدلوا لعب كرة القدم فى الشوارع بالكرة المائية، وبعد أن كان السلم الداخلى وسيلة النزول إلى الشوارع، أصبحت السلالم الخارجية هى الوسيلة الرئيسية. حياة هؤلاء الأشخاص داخل المنطقة تؤكد أنهم بسطاء جداً، رغم السخط الشديد من غرق المنازل، وتلف الأثاث ومعظم الأجهزة، خاصة فى الأدوار الأولى. ورصدت «الوطن» خلال جولة، استغرقت يوماً كاملاً، مظاهر الحياة فى المنطقة، التى أصبحت تتلخص فى عدة مشاهد. أبرز هذه المشاهد اختفاء السيارات تماماً من أمام المنازل بالمنطقة، واستبدالها بالفلوكة، التى أصبحت وسيلة النقل الرئيسية بالمنطقة، دون مقابل مادى، فالأهالى يتفهمون جيداً أنهم فى كارثة. «الفلوكة عشان نعرف نمشى، والدنيا مش هتقف عشان بلد مش بتتحرك، لنجدة أكثر من 10 آلاف شخص، ساكنين فى نجع العرب اللى غرقت بسبب موظفين معترضين على حالهم وشوية مطر»، بتلك الكلمات عبر محمد عاشور، أحد أهالى تلك المنطقة، ويعمل صياداً ببحيرة مريوط، عن الحالة التى وصل إليها الأهالى. وتابع «عاشور»: «حسبى الله ونعم الوكيل، لازم الناس تروح تشوف مصالحها برا جزيرة النجع»، لافتاً إلى أن الأهالى اعتادوا على الوضع الحالى، ويتعاملون معه وكأنه أصبح جزءاً من حياتهم الطبيعية.
المشهد الثانى من الحياة الجديدة كان لمجموعة من الأطفال والشباب، يضعون قطعة خشبية وسط المياه، مرتدين ملابس البحر، ويلعبون الكرة المائية، وكأنهم على أفضل شواطئ الإسكندرية، غير عابئين بما تمر به المنطقة من كارثة الغرق.
10آلاف جنيه قررت وزارة التضامن الاجتماعى صرفها للمتوفى نتيجة السيول التى اجتاحت المحافظة و2000 للمصاب
وقال أحمد مغازى (10 أعوام)، أحد أطفال المنطقة، لـ«الوطن»: منطقتنا غرقت، ومبقيناش عارفين نروح المدرسة، ولا حتى نلعب فى الشارع، ومفيش أمامنا إلا إننا نلعب فى المياه، وهو حد طايل البحر يكون قدام بيته، إحنا فرحانين، كل شوية عايزين نروح البحر، دلوقتى بقينا ساكنين على البحر.وأضاف: «لا أحد يرفع المياه، والحكومة لا تأتى، وإحنا زهقنا وعايزين نلعب».وأكد والده أن الأطفال ضربوا مثالاً حياً فى كيفية التعامل مع الأزمة، من خلال استغلال المياه فى اللعب، وعدم النظر إلى المشكلة. وتابع: «تمنيت للحظة العودة إلى طفولتى واللعب مع أطفالى، حتى لا أشعر بالحسرة على ما وصلت إليه البلد، والطريقة التى تتعامل بها الحكومة معنا». وفى منتصف يوم أمس الأول قرر المئات من أهالى منطقة نجع العرب الخروج إلى شريط السكة الحديد المجاور لهم، الذى يمر عليه قطار «مرسى مطروح- الإسكندرية»، وقطعوه لأكثر من 4 ساعات. وخلال الوقفة قال أحمد عرفة، أحد أهالى المنطقة: «انتظرنا 3 أيام عشان حد يعبرنا، ولكن التجاهل كان الشعار الذى رفعته الحكومة فى وجهنا، وليس أمامنا سوى تعطيل الدولة، حتى تشعر بأننا نموت داخل منازلنا المهددة بالانهيار بسبب المياه المتراكمة داخلها لساعات طويلة». وأضاف «عرفة»، والغضب على وجهه: «أكثر من 10 آلاف مواطن مش عارفين يخرجوا من بيوتهم، ولا يروحوا شغلهم، ولا حتى يروحوا مصالحهم، بسبب مياه متراكمة، المفروض نستنى أكثر من 3 أيام إزاى؟». وفور وصول قوات الأمن بدأت على الفور فى التدخل، لكن دون جدوى، نظراً لعدم وجود صرف، وازدياد منسوب البحيرة، مع توقف تام لطلمبات المكس، التى تعد المشكلة الرئيسية لغرق تلك المنطقة. وعلى الجانب الآخر، وجهت الدكتورة سعاد الخولى، محافظ الإسكندرية بالإنابة، جميع الأجهزة التنفيذية لحل الأزمة فى أسرع وقت. وقررت «الخولى» التحقيق مع كل من ثبت تقصيره وإحالته للنيابة العامة، موجهة المسئولين إلى دفع عربات لرفع المياه من المنطقة والمناطق الأخرى، وأمرت باستمرار عمل لجنة الطوارئ لمواجهة الأزمة.