والدة الشهيد فى أول حوار عقب رجوعها لمنزلها: دم ابنى فى رقبة الأمن
الأقرب شبهاً لإسلام، سيدة مصرية من الجذور، تتشح بالسواد، عيناها اصطبغتا باللون الأحمر، من فرط البكاء على رحيل فلذة كبدها، جربت الرحيل والفراق منذ أعوام أربعة، حين فارقها زوجها، شريك الحياة، ورب السفينة، ترك لها ثلاثة أبناء: أحمد، إبراهيم، إسلام.. حملت على عاتقها تربيتهم، قبعت فى المنزل بعد أن كانت تعمل موظفة، وهبت حياتها لهم، «الوطن» قابلتها ما إن دخلت لمنزلها بعد أن جلست عند أخواتها ليوم ونصف اليوم، حيث لم تُطِق المنزل دون إسلام، تحدثت مستعيدة المشهد، ومعلقة على الحدث الجلل.
تستعيد الأم مشهد تربية الأبناء، تقول: إن منهاج التربية التى سلكته كان القرآن والطاعة واتباع سنة النبى، تصف أبناءها بالمحترمين المؤدبين: «ابنى مش بلطجى، حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى قال على ابنى بلطجى». تسأل هؤلاء الذين يصفون ابنها بالبلطجة، هل علموا أنه تربى فى المسجد منذ كان فى الثالثة من عمره، حين بدأ لسانه بالكلام، وكونه يحفظ كتاب الله؟
«إسلام» خدوم، مقدام، فعال للخير، لم يتأخر على أحد، ويجرى لمساعدة الناس.. هكذا تصف الأم ابنها، تقول إنه كان جليسا لها لا يفارقها إلا للمسجد أو الدروس، رغم كونه الأخ الأصغر، إلا أنه كان الأكثر اعتناءً بها، من فرط الوقت الذى يقضيه فى المنزل؛ حيث كان ينظف المنزل، يمسحه ويكنسه، ويذهب للمطبخ، يحضر لها الطعام، يضعه فى فمها بنفسه، يداويها حين تمرض، يفعل ذلك كله، وجهاز الكمبيوتر يصدح بآيات القرآن الكريم، لا يعرف العمل دون صوت القرآن، تخبره الأم بأن ذلك سيرهقه ويكلفه ما لا طاقة له به.. «أنا عاوز أريحك يا ماما»، كان رده عليها، الذى يجعلها تحمد الله على ما جاد به عليها من نعمة البنين.[Quote_1]
أمسك «إسلام» بورقة، كتب عليها «يا رب ارضَ عنى، اجعلنى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب الجنة». تتذكر أمه أمنيته الدائمة بأن يكون شهيداً، منذ اندلاع الثورة، وهو يطمح إلى نيل الشهادة «ابنى طول عمره شهيد، وكان بيحضرنى عشان أبقى أم الشهيد»، تطفر الدموع بعينيها، تشخص ببصراها زائغة، كأنها تشاهده متجسداً أمامها، تحكى عن أنه كان يخبرها بأنها ستفخر به حين يستشهد، يجب أن ترفع رأسها، وتزفه إلى الحور العين. تتحدث عن صدقه فى طلب الشهادة، وصدق الله له فى تلبيتها، تطلب من الذين يرمونه بالباطل أن يتعظوا من هذا المثل، تطالب الرئيس محمد مرسى بتطهير الأمن، وأن ذلك سيريح قلبها، وتقول: إن الأمن يجب أن يعرف الله سبحانه وتعالى، وتكون مهمته الوحيدة حماية الناس؛ حيث تصف الحال فى مصر بأن الرأس فقط الممثل فى مبارك، قُطع، بينما الذيول والفلول تلعب فى الوطن، تعبث به كما تشاء. وعن زيارة زوجة مرسى، تقول: إن قرينة الرئيس أتت لتقديم واجب العزاء، كأية سيدة مصرية أصيلة، وقالت لها: «مبروك عليكِ شهادة ابنك»، وأكدت لها أن زوجها لن يضيع حق ابنه، بل إن استشهاده قد زاده تثبيتاً.
«ما كانش بيخاف، لو فى أى خناقة يدخل يسلك».. هكذا كان إسلام، وهكذا كان يمتلك أيضاً عزة نفس وإباء شديدين؛ حيث لم يكن يقبل أى إهانة من أى فرد كان، وكان يقاطع كل من يهينه، لكنه فى المقابل كان طيب القلب، رقيقا، لا يرد طلب أحد منه مهما كان؛ إذ كان لسانه دائماً ما يلفظ كلمة «حاضر يافندم»، تقول الأم: إنه رحل ليحقن دماء كثيرة، كان يمكن أن تراق لو لم يستشهد إسلام، قربان مصرى، وفتى تأسى برسوله، كما تحكى الأم، بذهابه ليغير الأمر بيديه، فكيف يشاهد المسلم حريقاً، ولا يحاول إطفاءه؟ تؤكد أن إسلام لم يكن مجبراً عن الدفاع عن مقر جماعة الإخوان المسلمين، وأنها لم تكن موافقة على ذهابه للمقر، لكنهم من عائلة إخوانية أصيلة، وذهب هناك لعله يساعد مصابا، أو يعين محتاجا، وأنه جاء إليها فى مساء ذلك اليوم، وأخبرها أنه سينتهى من درسه فى الثامنة مساءً ثم يذهب للنظر فى الشأن هناك، أخبرها أنه سيفعل ذلك فى هدوء؛ لذا حين حُمل على النقالة، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، لم يجد سوى رسالة «قولوا لأمى تسامحنى»، لأنه لم يحافظ على حياته كما وعدها، تقول الأم وسط نشيجها: «مسامحاك يا حبيبى، قلبى وربى راضيين عنك ليوم الدين يا ضنايا».
«أقول للدكتور مرسى: أنا عاوزة حق ابنى، وحق ابنى يا دكتور مرسى ييجى بالتحقيقات الحقيقية، مش التحقيقات المزورة، لسّه الفلول موجودين فى المناصب، فى النيابات، فى الأمن».. تتحدث عن الأمن وتقول: «الأمن هو السبب فى موت ابنى، لأنه ما جاش، وسابهم يقتلوا فى بعض، وعرف موت إسلام من التليفزيون، فنزل ميدان الساعة، بعد ما ابنى راح».
تعلق على المشهد السياسى الحالى، وتصفه بالمتوتر، تطالب بالوحدة، تقول إن منزلها يحمل ابنا منتميا لحزب الدستور، وابنين للحرية والعدالة، يجلسون جميعاً على طاولة واحدة، لا تفرقهم السياسة، وفى المظاهرات يقف ابنها أحمد فى جانب يمسك بلافتة الدستور، وفى الجانب المقابل يقف إبراهيم وإسلام حاملين لافتات «الحرية والعدالة» فى سلمية، تطلب أن تكون المعارضة بشرف، لا «بخيانة أو وضاعة»، تطلب حقن الدماء من الجميع، تتذكر قول إسلام بأن الذين هاجموا المقر «بلطجية يا ماما وشكلهم غريب»، تصف المنتمين للأحزاب السياسية بالمحترمين، توجه رسالة للدكتور محمد البرادعى وحمدين صباحى قائلة: «اعتبروا ابنى أضحية لأنكم تتحدوا، خالد سعيد كان نواة لفساد اتقطعت رقبته، إسلام بقى يوحدكوا، بالله عليكم، وحياة دم الشهيد، اتحدوا، خدوا رأى بعضيكم، وخدوا رأى الناس الأغلبية، لو الأغلبية قالت يمشى يبقى يمشى، لو قالت يقعد يبقى يقعد».
أخبار متعلقة:
«الوطن» فى بيت الشهيد «إسلام».. وشقيقه يمزق صور «مرسى»