«الوطن» فى بيت الشهيد «إسلام».. وشقيقه يمزق صور «مرسى»
حديقة لا تحتوى على زهرة واحدة، وأرض زراعية لم ترو بقطرة ماء، ورحم أم بلا أبناء، وصف لا يختلف كثيراً عن الحال الذى آل إليه البيت القابع فى شارع صلاح الدين، بمدينة دمنهور، بمحافظة البحيرة، منزل مصرى بسيط، فى شارع جانبى لحارة سد، لكنه منزل غاب عنه رحيق الحياة، وخيم شبح الموت على الشارع بأسره، فقوض كل بهجة، وأرسل خيوطا من الحزن تسربل الجو المحيط. بيت إسلام فتحى مسعود، من رحمه خرج، وفى أزقته ركض، وفى مسجده صلى، مع الرفاق لعب، وفى المدرسة تعلم، ومع الإخوة والأم قضى أسعد الأوقات.
البيت صار كالصحراء، أجدب، مقفرا، تغيب عنه الحياة، ما إن أعلن استشهاده، حتى خرجت منه والدته، التى لم يعد الناس يطلقون عليها أم أحمد، بل أم الشهيد، خرجت إلى بيت أخيها، حيث البقاء فى منزل لا يضم فى كنفه إسلام، بمثابة موت آخر، تشعر أن الجدران سوف تهدم عليها فى غياب الابن الأصغر الذى جال فى رحاب المنزل، ووضع بصمته على كل ركن، وكل جدار، وكل كرسى. يوم ونصف فى منزل أخيها، لكنها لم تتحمل وطأة الواجب، حيث ذهبت إليها سيدات يردن تقديم واجب العزاء، ولم يجدنها فى المنزل. «الوطن» كانت فى المنزل، تترقب قدومها الأول بعد الوفاة، تهبط من السيارة، تصعد السلم على مهل، تتلمسه ببطء كأنها تستعيد ملمس إسلام على «الدرابزين»، تدلف للسيدات المعزيات، اللاتى استقررن فى غرفة إسلام، يردن إشعارها بالونس، وسط وحشة صنعها غيابه.[Image_2]
فى المنزل ثمة صراع سياسى، بين الأخ الأكبر أحمد، المنتمى لحزب الدستور، الذى كما يصفه خاله، يحب التمثيل والفنون، وبين إسلام وإبراهيم، الأخين الأصغر، المنتميين لجماعة الإخوان المسلمين، إسلام ساعة الانتخابات طبع ملصقات «النهضة إرادة شعب» أعلى سريره، وفى غرفة الضيوف، وضع صورتين لمحمد مرسى، لكن أحمد، ما إن علم بمقتل أخيه، دفاعاً عن الإعلان الدستورى، حتى هرول لغرفة الضيوف، ومزق غاضباً صورتى مرسى، ولم يبق منهما على شىء.
إسلام، كان أغلب الوقت فى غرفتين، غرفة الكمبيوتر الخاص به، وغرفة نومه، فى الغرفة الأولى، يحتل جهاز الكمبيوتر، من أعلى منه ملصق مكتوب عليه أن عين الله تراه، فيجب أن يرعى نفسه، الجهاز نفسه يحتوى على القرآن بصوت أكثر من شيخ، وملفات عديدة تحتوى على أناشيد للمنشد مشارى راشد. خلفية الجهاز لشاب ذى وجه مثلث، يرتدى نظارة شمسية، تخفى عينيه، يشبك ذراعيه ناظراً للكاميرا، ومن ورائه البحر بلا نهاية، يجلس على سور قلعة قايتباى فى الإسكندرية، الرحلة الأخيرة التى قام بها، وعاد محملاً بالسعادة التى لم تدم، والطموحات والأحلام التى صاغها من أعلى القلعة، لكنها هوت فى جب القتل الغادر. على سطح المكتب الخاص بجهازه، بحثان، الأول عن نجيب محفوظ، ودوره فى الأدب والمجتمع المصرى، وكيف أثراه، والبحث الثانى عن الفن الإسلامى، وكيف أنه لا يقتصر فحسب على المجتمع الإسلامى بل امتد للعالم بأسره. ملفات أخرى، لملصقات تخص حزب الحرية والعدالة، بعضها دعوى، يحتوى على أحاديث نبوية، والبعض الآخر دعائى للحزب ونشاطه. خمس دقائق، وتخرج نافذة من الجهاز، لأذكار يقول خاله إيهاب بدر إنه يرطب لسانه بذكر الله، كل حين. فى المكتبة القريبة من جهاز الكمبيوتر كتب تتنوع بين الدين والأدب، فقه السنة، يجاور مجموعة قصصية، فى غرفة نومه تنتشر الملصقات الكارتونية، إذ كان إسلام من المحبين لمتابعى الرسوم على الشاشة التليفزيونية، كما يضع بجوارها أذكارا تعينه على عدم نسيان ربه فى أى وقت.
أخبار متعلقة:
والدة الشهيد فى أول حوار عقب رجوعها لمنزلها: دم ابنى فى رقبة الأمن