أثناء وقوفى لاستبدال منتج من قسم خدمة العملاء بأحد أفرع سلسلة السوبر ماركت الشهيرة عالمياً، يتقدم رجل وقور بملابس مدنية مشهراً جهاز (الوكى توكى) معلناً عن هويته للموظف: (أنا المقدم فلان الفلانى).. لتحن منى التفاتة ونظرة من (تحت لتحت) تعبر عن جموع الشعب الغلبان عندما يشم رائحة الكوسة وهى فى مراحل الطهى الأولى.. تحدث الرجل بشكل مهذب عن احتياجه لفاتورة ضريبية باسم شركة ما لمنتج اشتراه بالفعل.. رحب الموظف وانسحب الضابط لإحضار الفاتورة.. ولأننى ما زلت بعد كل تلك السنين لا أستطيع الصمت أمام المواقف التى تمس قيمة العدل فى نفسى.. وجدتنى أسأل البائع سؤالاً ساذجاً:
• هل ما طلبه حضرة الضابط فيه أى تجاوز أو استثناء؟
- لا، أبداً من حق أى عميل الحصول على فاتورة باسم أى جهة.
وكأننى أسأل نفسى سؤالاً إجابته تكشف جزءاً من التركيبة النفسية للمصريين:
- أمال ليه تقدم بصفته ضابط؟.. ابتسم البائع قائلاً: العادى يافندم إحنا اتعودنا خلاص على الدخلة دى.. ظباط.. مستشارين.. احتياطى يعنى، لتنفتح شهيتى الصحفية لسؤال أكثر سذاجة: وبناءً عليه هل بيطلبوا تجاوزات؟
- ساعات طبعاً بيطلبوا يغيروا موبايل، وده ممنوع إلا لو فيه عيب صناعة.. أو يحاولوا رد منتج بعد فترة الاسترداد، كده يعنى.
- طب بصراحة وبينى وبينك (طبعاً على سبيل الدعابة) لأنى أقصد بينى وبينك وبين الشعب المصرى كله خلال إحدى أوسع الصحف انتشاراً.
• بتعملوا إيه معاهم؟.. ليبتسم ابتسامة ماكرة:
- أبداً بييجى المدير ويسمع منه كويس ويبتسم له وفى الآخر ما بيتنفذش غير النظام.. يعنى بينفذ نفس كلامى.. قالها بنبرة انتصار واعتزاز.
تأملت كلماته باحترام.. لأستسلم لحظياً لإحدى جولاتى المعتادة أطوف عالم أحلامى الخاص الذى يظل فيه فتى أحلامى الأول هو وطنى..
تلفت حولى أتأمل عالم السوبر ماركت.. لأجد منظومة عمل دءوبة..
• تستطيع أن تنتقى ما تشاء وتملأ سلتك كيفما تحب، ففى النهاية لن يدفع غيرك ثمن اختياراتك.
• وجدت وحدات إدارية محدد دور كل عامل فيها بدقة وطريقة مراجعته يومياً وأسبوعياً وشهرياً وقواعد الثواب والعقاب والحد الأدنى والأقصى المقبول منه والمسموح له من عامل نظافة الحمامات إلى رئيس الجمهورية الصغيرة.. يضعها ويقوم عليها نظام سيادى خارج منظومة الاستفادة الشخصية حتى لا يصبح خصماً وحكماً.
• شطحت أكثر بسقف حلمى الصغير إلى نظام مسئولية مهنية يتعقب المجرم حتى قبره ويحاسب حتى ورثته كما ينسب الفضل لصاحبه بعد رحيل أضواء السلطة عنه..
- لأتجاسر وأحلم بصاحب منصب يعلى قيمة وحق الوطن على مجده الشخصى ويقبل بعدم سحق كل فكر جديد قد يهدد ذلك الكرسى الملعون الذى يصيب جالسه بمس من الجنون..
- تغتالنى فجأة حكاياتى مع وزارة التضامن وموظفيها.. رغم معرفة قديمة ودودة بالرقيقة د.غادة والى، وزيرة التضامن، فاجأتنى بأن الكرسى لم يمحها من ذاكرتها كما يفعلها بمعظم ضحاياه.. لكننى أشعر بأكثر من الحرج ربما بعار أن أضطر لطرق الباب العالى لإنجاز ورقة صغيرة تعبر عن حق صريح لى.. يذهلنى إصرار الموظفة الفاضلة على عرقلة مؤسستى المتواضعة لأن أوراقنا ليست (متستفة) فيها طلب منح ولا تبرعات ولا ميزانيات وأننا نتيجة فلسفة شعارها أن للخير أيضاً كبرياء تبنتها مجموعة أنا أدناهم نجتهد بجهود ذاتية لتوفير نظام تعليم مهنى للمتسربين من التعليم وأطفال الشارع، لم يثنها نظام مالى ابتدعته يغلق حنفية الفساد أصلاً.. أفيق من تأملاتى على الموظف بابتسامة يبلغنى انتهاء الإجراءات، لأقول له بجدية:
- أنا لقيت الحل.
* خير حضرتك.
- مصر محتاجة المنظومة دى.. لينظر لى كأنى من كوكب آخر..
لأصيح وأنا منصرفة:
- هبتدى أعملكم دعاية انتخابية.